معلم مميز للأقصى وللقدس
قبة الصخرة .. قلب الأقصى المهدد
[ 14/04/2009 - 10:40 ص ]
إعداد: أخوات من أجل الأقصى
قبة الصخرة في قلب المسجد الأقصى الواقع في الزاوية الجنوبية الشرقية من البلدة القديمة بالقدس
في البلدة القديمة المسورة بالقدس, وتحديدا, في الزاوية الجنوبية الشرقية منها, يقع المسجد الأقصى المبارك على شكل مساحة شبه مستطيلة فوق هضبة موريا. وتمثل الصخرة المشرفة أعلى نقطة في هذه الهضبة, وتقع في منتصفها مائلة إلى جهة الغرب قليلا, لتمثل بهذا جزءا أصيلا من المسجد الأقصى المبارك الذي هو ثاني مسجد وضع على الأرض بعد المسجد الحرام بمكة. وهي عبارة عن صخرة متصلة بالهضبة من جميع الجهات ما عدا جهة واحدة حيث توجد مغارة صغيرة. وأحيانا تطلق عبارة "صخرة بيت المقدس" ويقصد بها هضبة موريا كلها, (أي المسجد الأقصى المبارك كله), وليس هذه الصخرة فقط.
التاريخ:
قبة الصخرة في قلب الأقصى .. أقدم معلم معماري إسلامي
هذا الجزء المركزي في الأقصى, الصخرة, هو المكان الذي يرجح أن يكون الرسول محمد صلى الله عليه وسلم قد عرج منه إلى السماء خلال رحلته إلى المسجد الأقصى المبارك في ليلة الإسراء والمعراج, قبل أن يتم عمر بن الخطاب رضي الله عنه فتح القدس سنة 16هـ / 637م. وتخليدا لهذه الذكرى, وتجسيدا للمكانة الدينية الأصيلة لبيت المقدس, جاء مشروع تعمير المسجد الأقصى المبارك تعميرا يبرز طابعه الإسلامي المميز في عهد الخليفتين الأمويين عبد الملك بن مروان والوليد بن عبد الملك, اللذين حكما في الفترة الممتدة بين عامي 65هـ / 685م - 96هـ / 715م.
البناء:
الصخرة التي تقوم عليها القبة
بدأ مشروع تعمير المسجد الأقصى في العصر الأموي ببناء قبة عظيمة فوق الصخرة المشرفة التي يبلغ قطرها نحو 20 مترا, وارتفاعها حوالي مترين. حيث استغرق بناء القبة -التي أريد لها أن تكون قبة للمسجد الأقصى المبارك كله- سبع سنين (حتى سنة 72هـ) حمل فيها خراج مصر بالكامل إليها, في عهد عبد الملك. ثم اكتمل مشروع تعمير الأقصى ببناء المصلى القبلي الرئيسي فيه, في عهد الوليد. وقد أشرف على بناء قبة الصخرة المهندسان: رجاء بن حيوة من بيسان, ويزيد بن سلام, مولى عبد الملك وهو من القدس, لتصبح بحق مفخرة للمعماري المسلم الحريص على إبراز عظمة الحضارة الإسلامية الفتية أمام الدولة البيزنطية بعمارتها الفخمة للكنائس, ومنها كنيسة القيامة بالبلدة القديمة.
الدعامات والأعمدة التي تحيط بالصخرة وتحمل القبة
وقبة الصخرة عبارة عن بناء هندسي دقيق ثماني الأضلاع يتكون من قبة تغطي الصخرة المشرفة, محمولة على أربعة دعامات حجرية بين كل دعامتين منها ثلاثة أعمدة أسطوانية تحيط بالصخرة. وتحيط بهذه الدعامات تثمينة تتكون بدورها من ثماني دعامات حجرية بين كل دعامتين منها ثلاثة أعمدة أسطوانية, وتقع داخل مبنى قبة الصخرة. أما جدار المبنى, فقد غطي من الداخل بألواح الرخام الأبيض, ومن الخارج بألواح مماثلة في الأسفل, وفي الأعلى كسيت بالفسيفساء المذهبة (لدى بنائها في العهد الأموي). والقبة نفسها عبارة عن قبتين متداخلتين بينهما فراغ؛ القبة الخارجية مطلية بالذهب (كانت مكسوة بالذهب في العهد الأموي), والداخلية مزينة بنقوش جصية مذهبة. ويشير شكل هذا البناء الدائري المثمن إلى أن الغرض من بناء قبة الصخرة كان إقامة قبة للمسجد الأقصى المبارك, وليس إقامة مجرد مصلى داخل المسجد المبارك, حيث إن المصليات عادة ما تكون أبنية مستطيلة متجهة إلى القبلة.
مقطع عرضي لقبة الصخرة يوضح تكوينها
وفي العهود التي تلت العهد الأموي, حظيت قبة الصخرة بمزيد من العناية, حيث رممها الخليفة العباسي المأمون بعدما أصابها شيء من الخراب, ثم ضرب فلسا حمل اسم القدس لأول مرة في تاريخ المدينة تخليدا لذكرى الترميم, وذلك سنة 217هـ / 832م. ولكن القبة ظلت محتفظة بجمالياتها ومتانة بنائها, إلى حد بعيد, على مر العصور, خاصة وأنها مقامة على صخر الأقصى الطبيعي, وليس على تسوية من صنع البشر, كما هو الحال مع المصلى القبلي الجنوبي داخل المسجد الأقصى.
الاحتلال الصليبي
غير أن هذا الأثر المعماري الفريد عانى في عهد الاحتلال الصليبي الذي استمر نحو 90 عاما بدءا من سنة 492هـ / 1099م, كما عانت مختلف أجزاء المسجد الأقصى المبارك. حيث حولت قبة الصخرة في قلب الأقصى إلى كنيسة, ورفع عليها الصليب, واستخدمت صخرتها كمذبح, وظلت غريبة في غير أهلها إلى أن أعادها صلاح الدين الأيوبي إلى عهدة المسلمين, وأعاد إليها بهاءها في سنة 583هـ/1187م.
واستمرت العناية بالقبة, كغيرها من معالم المسجد الأقصى المبارك, في عهد الخلفاء الأيوبيين والمماليك والعثمانيين. وفي عهد السلطان العثماني سليمان القانوني, أزيلت الفسيفساء المذهبة الأموية في تثمينتها الخارجية واستبدل بها البلاط القاشاني الملون الذي لا نزال نراه حتى اليوم, وذلك في سنة 969هـ/1561م, مما أكسبها مزيدا من الروعة, كما أعيد تبليط صحن الصخرة. وفي عهد السلطان عبد الحميد الثاني, كتبت سورة يس بالخط الثلث, فوق البلاط القاشاني الأزرق المحيط بالتثمينة الخارجية للقبة على يد الخطاط محمد شفيق, وذلك في سنة 1293هـ/1876م.
البلاط القاشاني يكسو الجزء العلوي من جدار القبة الخارجي وتعلوه سورة يس
ادعاءات صهيونية
وكما ادعى الصليبيون, سابقا, حقا دينيا في بيت المقدس وصخرته, ادعى الصهاينة -الذين احتلوا البلدة القديمة بالقدس منذ سنة 1387هـ / 1967م- حقا مماثلا. وتروي التوراة التي بأيدي النصارى واليهود الآن أن قصة الفداء تتعلق بإسحاق بن إبراهيم, عليهما الصلاة والسلام, وأنها تمت على صخرة البيت المقدس لا البيت الحرام. لذا, يعتبرها اليهود خاصة, قبلتهم, ويسمونها "قدس الأقداس" في معبدهم المزعوم الذي يقولون إنه في موضع المسجد الأقصى المبارك.
والحق أن المسجد الأقصى المبارك, بكل أجزائه بما فيها الصخرة, مقدّس لدى المسلمين منذ حدّد بيتا لعبادة الله الواحد الأحد لأول مرة بعد أربعين عاما من المسجد الحرام, كما نص على ذلك الحديث النبوي المعروف. وقد عمره كثير من أنبياء الله تعالى ورسله, ومنهم إبراهيم وإسحاق ويعقوب وداود عليهم الصلاة والسلام, كما جدد بناءه سليمان عليه الصلاة والسلام. والأمة المصدقة بجميع هؤلاء الأنبياء, وبخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم, هي الأولى بهؤلاء الأنبياء جميعا, لأن الصلة الحقيقية بهم لا تقوم على رابطة النسب, وإنما على رابطة العقيدة التي تجمع بين المؤمنين بها من مختلف الأجناس وعلى مر العصور والأيام.
وفضلا عن ذلك, فإن هذا المسجد يرمز لوراثة الأمة المسلمة الجديدة لجميع الرسالات والنبوات السابقة وهيمنتها عليها, منذ صلى فيه الرسول الخاتم محمد عليه الصلاة والسلام بالأنبياء إماما خلال رحلة الإسراء والمعراج.
تغافل عن أهمية الصخرة
صورة للزخارف التي تزين القبة من الداخل
هذه الادعاءات الدينية, التي عادت لتنبعث مع ظهور الحركة الصهيونية في القرن التاسع عشر الميلادي, ترافق معها تراجع الحركة العلمية والثقافية والإعلامية لدى المسلمين, فجهل بعضهم مركزية الصخرة في الأقصى ومركزية الأقصى في العقيدة, وهو ما يمثل خطرا بالغا على المسجد الأقصى المبارك, ويعتبر مقدمة لتنفيذ مخطط تقسيمه وتهويده بإقامة معبد يهودي على حسابه.
محاولة تدنيس
محاولة يهودية لتدنيس قبة الصخرة إثر اقتحام لساحات المسجد الأقصى المبارك يوم الأربعاء (8-4-2009م)
هذا المخطط استحضره بقوة إقدام عدد من المتدينين اليهود على محاولة دخول قبة الصخرة المشرفة يوم الأربعاء 8-4-2009م, ما عدّ مؤشرا على تصاعد تهديداتهم للمسجد الأقصى المبارك. ففي إطار احتفالاتهم بما يسمى عيد الفصح العبري, لم يكتفوا بتدنيس ساحات المسجد المبارك الداخلية, ومحاولة إقامة شعائر مشبوهة داخلها, بل لقد اتجهوا لتدنيس القبة التي تعد أحد أهم المعالم الرئيسية داخل الأقصى, والتي تستخدم كمصلى. وهاهي مراجعهم الدينية التي كانت في السابق تحظر عليهم دخول الأقصى تماما, أصبحت تشجعهم على انتهاك حرمة المسجد المبارك, بزعم "تخليصه من أيدي المسلمين", مع قرب ظهور "المسيح" المزعوم.
متى يصحو المسلمون على مركزية الصخرة والأقصى في حضارتهم؟
أمام كل هذا الكيد بالمسجد الأقصى المبارك, هل سيظل المسلمون في تراجعهم المعرفي والثقافي حول أخص خصائص حضارتهم الزاهرة التي لا تزال قائمة, وستظل كذلك ما داموا متمسكين بكتاب الله وسنة رسوله؟ وإلى متى سيظل البعض منهم يجهل مكانة الصخرة باعتبارها جزءا من المسجد المبارك الذي هو آية في كتاب الله, ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأرض الرباط إلى يوم القيامة؟
قال تعالى: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون}
عن المركز الفلسطيني