احترس قبل فوات الآوان
... كثيرا ما نعيش مواقفا مختلفة في حياتنا، منها مواقف لانعيرها اهتماما وأخرى نقدرها، وإذا ما تأملنا في الحياة نجد مجموعة من تلك المواقف البسيطة تستدعي منا الوقوف على كل موقف على حدى، فنحن البشر لا نأخدها محمل الجد وانما نعتبرها كعابر طريق يمر بنا كما تمر الأيام، أو تصبح لدينا كعادات اوتصرفات لا شعورية نسلكها في سلوكاتنا، وفي حقيقتها وعمقها تحمل دلالة مغايرة، دلالة لها ثقل وأثر على حياة كل فرد منا، ومن هذا المنطلق يجب علينا أن نعطي لكل أمر أهميته ولكل موقف حقه بطريقة مرنة، حتى نتجنب البكاء على الأطلال. وغالبا ما يتردد بين أسماعنا المثل العربي القائل " فاقد الشيء لا يعطيه " لكن ماذا بنا اذا قلنا أن " مالك الشيء لا يعرف قيمته الا بعد فقدانه " وهذا ما سأسلط الضوء عليه في هذا المقال، بمعنى يجب على كل انسان أن يقدر كل فرصة أتيحت له، وأن يقدر كل شيء يجده بين يديه، فكم منا يندب على حظه وهو المسؤول، وكم من واحد فقد فرصته الذهبية بعدما أتيحت له، وبأسلوب آخر ، نجد فردا من الأفراد يعيش مع أشخاص ويلتقي بأخرين، وهو لا يعرف قيمة كل شخص من أولائك الأشخاص لأنه يراهم مرات عديدة، ولا يعي قيمتهم الحقيقية، وكأنه مجرد آلة تتبادل الحديث والمهام، وبعد حدوث نقاش أو فقدان لأحدهم، نجده في تلك اللحظة يبكي الدماء بدل الدموع تعبيرا عن ندمه الشديد، ندم يجعله يتمنى عودة عقاريب الزمان الى الوراء ليحس به ويصلح ما يمكن اصلاحه، فهو يحس في تلك الساعة بأنه لم يقدم له ما يرضيه فيستحيي من نفسه، غريب أمره، عندما كان أمامه لحما وجسدا لم يكن يراه بعيون الفؤاد، وبعد فوات الأوان، لم يعد ذلك الا ذكرى من الماضي، لكن طعم هذه الذكرى وذوقها مر، ونحن الكبار مثلا نحن الى أيام طفولتنا، ونشكر أيامنا الخالية، ونصفها بالجمال والروعة ونطوق اليها لدرجة نرجوا أن نعود إليها، فيا ترى لو منحت لنا هذه الفرصة هل سيبقى الماضي في عيوننا جميلا، أم أن معرفتنا معرفة اليقين أن ذلك درب من المستحيل زينه في نفوسنا ؟ وهنا أستحضر قولة أحدهم " نمدح الماضي لأنه زمن ولى، فلو عاد لكرهناه ". ومن الناس من يمتلك امكانات وقدرات لكنه لا يعرف قيمتها ولا كيف يستغلها.
من جهة ثانية نجد الكتاب المنزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يذكر فيه الرب عز وجل أن المشركين عند العذاب يطلبون العودة الى الدنيا ليصلحوا أنفسهم بالعبادة والخشوع، وأنه كذلك من الناس من يطلب أن يؤجل أجله عند احتضاره ليقضي كل وقته في عبادة رب الكعبة، لكن لا تؤجل كل نفس اذا جاء أجلها، هنا كذلك لا ينفع الندم، فقد أتيحت لهم فرص لكنهم كانوا يخضون ويلهون ويلعبون عن عبادته سبحانه عز وجل؛ وقد تتميز بصحة سليمة وعند السقم تتذكر الموت وكأنه أقرب اليك من نفسك، فتطلب الشفاء لتفعل الكثير من الأمور، وبعد زواله تنسى الأحلام وتعود الى عهدك الأول وكأن شيئا لم يكن !!! غريب أمر الانسان بين الفينة والأخرى يتقلب وكأنه فوق جمر، لا يعمل شيئا ايجابيا الا بعد تفقم الوضع بعدها يحاول تضميده وترميمه ولا يعي قدر الجرح الذي سببه لنفسه أو لغيره، وما عساي أقول اذا كان الانسان لا يتعلم المواقف الا بعد امتحانه في الحياة، وقد يفوت الأوان على ذلك.
فحاول أيها الانسان أن تتأمل في كل خطوة تخطوها في مصيرك، وأن تتبصر بقيمه كل درجة من الدرجات كيفما كانت، فالأمور التي تراها اليوم بسيطة سيكون لها غدا تأثير كبير على حياتك، وحاول أن تعرف قيمة الشيء قبل فقدانه لأنه لا ندم بعدها ينفع ولا تأسف، واحرس كل الحرس على استغلال الفرص فانها فرص لا تعوض، وأحسن استغلال شبابيك قبل هرمك،صحتك قبل سقمك، وجودك قبل عدمك، وغناك قبل فقرك ...، واعلم أن الحياة صيرورة فتعلم كيف تسير.
بقلم سعيد أمزيل