يَا قَبِيلَةً ضَحِكَتْ مِنْ فِعْلِهاَ القَبَائِلُ

يَا قَبِيلَةً ضَحِكَتْ مِنْ فِعْلِهاَ القَبَائِلُ

   قد يعتقد البعض – من المزامطة و غيرهم – أن الشَّغَبَ الذي أقدمت عليه شردمة من الأوباش الصعاليك االملاليين، في حق قبيلة تمزموط الآونة الأخيرة، يعد نوعا من البطولة التي تخلد عبر التاريخ. لكن الحاصل أن ذلك بعيد كل البعد عن البطولة، بل هو أقرب الى البطولة السينمائية منه الى البطولة الواقعية الحقيقية.

  فإن قيل : ما مبررات الطرح الذي جئت به ؟  وكيف يكون الحدث سينمائيا لا واقعيا ؟
قلنا : مرد الحكم الذي حكمنا ببطلان البطولة، إلى أولا : كون الخصمان لم يلتقيا وجها لوجه؛ رجلا لرجل، في ساحة للمعركة كما حدث سابقا، مما يعني تعذر الشرط الأساسي للحكم بالبطولة لأحد الفريقين. هذا بالإضافة إلى مبادرة الطرف المعتدي الملاليين إلى الغدر والخديعة والطعن من الخلف، وهذا لعمري من شيم الأراذل من الناس.

  أما كون الحدث سينمائيا، فهذا راجع إلى أن الوقائع جرت في المكان الذي حدده مخرج هذا السيناريو، أي داخل قبيلة تمزموط، والغريب أن تصويرالمشاهد تم بعد منتصف الليل دون حاجة إلى إنارة، وهنا يجب التنبيه إلى أن المخرج أساء اختيار التوقيت، لأن التصوير/ الشغب  ما بعد منتصف الليل دليل قاطع على عدم  مشروعية الحق الذي يطالب به بنو صعلوك.

  وبخصوص الشخصيات/ الممثلين، فقد تم انتخابهم بشكل يتماشى والحدث، وهم على العموم زمرة من "الشماكريا" يلقبون من قبل المخرج بالكلاب " المصعورة "، وهو اللقب الذي مافتئ المخرج/ المرشح يتبجح به طيلة حملتة الانتخابية.
   تجدر الإشارة، إلى أن المشاهد كانت حصرية "على الهواء مباشرة "خاصة بالمشاركين" بنو صعلوك" والمشارك بهم" المزامطة"، هذا الأخير اكتفى المخرج المرشح بإسناده دور الضحية دون سابق إنذار.

    وإذا كان ذلك كذلك، فهذا لعمري أقرب إلى الكوميديا منه إلى التراجيديا، فإن كان أرسطو يرمي في الكوميديا إلى تطهير النفوس من الشوائب والانفعالات، فمخرج هذه الأضحوكة يهدف إلى تطهير العرق التمزطي من الوجود.


    َفيَا لَهُ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ "" يَرْفَعُهُ اللهُ إِلى أَسْفَلِ

    ولو قيل : أنت تعلم علم اليقين أن الحرب خدعة، فما الفرق بين الخداع ليلا أو نهارا ؟ قلنا: هذا من" باب السماء فوقنا"، ولكن الخدعة – يا سيدي – تمارس أثناء المواجهة، وحين يلتقي الجمعان في ساحة الوغى سواء أكان ذلك ليلا أو نهارا. أما وأن يطعن الرجال من الخلف، فَمَا هَكَذَا يَا صَعَاِليكُ تَكُونُ الخُدْعَةُ.

    وإن قيل : لماذا يعترف المزامطة بالمعركة الأولى ؟ وما مصوغات ادعائكم تحقيق الانتصار فيها؟ قيل : هذا سؤال جيد، والجواب عنه أن يقال: وجه الاعتراف بالمعركة الأولى مرده إلى التقاء الخصمان وجها لوجه؛ رجلا لرجل، في ساحة للمعركة تسمى " أسرير".

  أما مبررات الانتصار، فيمكن إجمالها – دون احتساب عدد الضحايا والمعطوبين – في عدد السجناء من كل فريق؛ حيث سجن أربعة عناصر من بني صعلوك، في حين لم يتم تسجيل أية حالة لدى المزامطة لصدق دعواهم.

     ولا غرو – حفظك الله – أن الذكرى تنفع الصعاليك، لذلك ارتأينا أن نذكر بأبطال هذه الملحمة. فأحدهم سائق شاحنة " كاميو" استفاد من الأراضي الفلاحية التمزموطية زَمَنًا غير يسير، لكن" مَاكَرْشْ فِيهْ الخِيرْ "، اسمه يخالف "العسكري" في الاصطلاح الحربي.

   والآخر، مهاجر متقاعد" مَنْ هَادُوكْ اللِّي دَازْتْ عْلِيهُمْ الدَّكَاكَة ِففْرَانْسَا"، ظن أن القانون يعفي" الفاكونصيين" من العقوبات أثناء اقترافهم للمخالفات، لكن تيقن بعد حين ـ بعد مالبث في السجن بِضْعَ شُهُوٍر – أن القانون فوق الجميع.

  أما ثالثهم – ثالث الأبطال – فقد كان من أصحاب العربات غير المرخصة للمسافرين، أي "خْطَّافْ"، خَطَفَ فريق الاتحاد الرياضي  مرات عديدة، لكن ذلك لم يكفي صاحبنا ليحول دون وقوع المعركة، بل أجج فيه روح الانتقام والسادية. من صفاته أنه ذو صوت جهير شبيه بصوت أنكر الأصوات.

   واللافت، أن رابعهم  من خريجي الدراسات الإسلامية " يَا حَصْرَا "، وهذا يعني أنه يعي أن الظلم ظلمات يوم القيامة، لكن ذلك لم يمنعه من أن يتوج دراسته هذه بعقوبة حبسية مماثلة لسابقيه، و إن كان محكوما عليه غيابيا. ومن مَحَاسِنِ الصُّدَفِ أن هذا البطل/ العالم ابن السجين الثاني" الفاكونصي"، مما يعني أن الابن سار درب أبيه." الحَاصُولْ مَا يَوْلَدْ الفَارْ غِيرْ حَفَّارْ ".

    جماع القول، ان المعركة الأولى كبدت بني صعلوك الحكم على أربعة من كبارهم/ صغارهم بعقوبة حبسية زادت عن ثلاثة أشهر نافدة، وهو ما كلف – بدون شك – قبيلة بني صعلوك تبعات مادية كبيرة – قدرت بالملايين – أثقلت كاهل السكان.

   هذا وغيره، يستدعي طرح أسئلة طالما راجت وتروج في خلد الكثير من المتتبعين، من قبيل : ما هي التكلفة الحقيقية لهذه الحبسة بالدرهم ؟ ما هو نصيب كل عائلة من بني صعلوك جراء هذه الحبسة ؟ ما مدى صحة تعاون القضاء مع بني صعلوك ؟ هل تكرم السجين " الفاكونصي" وتحمل مصاريف زملائه في المحنة ؟ شْحَالْ دَفْعُوا الحَبَّاسَا بَاشْ إِعَيْدُوا مْعَا عَائِلاَتْهُمْ ؟ هل ...وهل...وهل...وكم ؟؟؟
                               
                                              بقلم : سمير أيت كاغو

        حي الانبعاث
            سلا
        18 نونبر 2009
     



 
  [/size][/b][/b][/b][justify]

ا قبيلة ضحكت من فعلها القبائل
مقال بأسلوب سجالي، يخلد صعلكة جيران تمزموط، وينفي البطولة على فعالهم على المستوى الواقعي، ويلحقها بالفن السابع، فهو إذن، يؤرخ ويحفر في ذاكرة التاريخ أحداثا تأخر التاريخ بالمجيء بها، أبطالها شخصيات تأخرت الأرحام بها من زمن السيبا إلى الآن، ، فهؤلاء بتصرفاتهم تلك أبعد ما يكونون من القرن الواحد والعشرين. فالله يمهل ولا يهمل والتاريخ لا ينسى.
وشكرا على مقالك الوثائقي هذا بنزعته التأريخية الفنية.
عبد اللطيف بدراوي