موضوع: لغة الزجل في الأندلس الإثنين ديسمبر 21, 2009 4:53 pm
مـقــدمــــــــة : أول الحديث يدفعنا إلى الإقرار بأن فن الزجل الأندلسي هو نتاج خصوصيات البيئة الاندلسية التي اجتمعت لها عوامل لم تتوافر لغيرها، من تعدد العناصر، واللغات إضافة إلى المناخ الخاص الذي وفره التمازج والمحافظة والتسامح بين الأطراف ... كل ذلك منضافا إلى عنصر اكتمال الشخصية الأندلسية ولغتها، وتجدر الإشارة إلى أن الإسلام بالأندلس لم يلق نظما فكرية عتيدة، غير أنه لقي بها ميراثا حضاريا وثقافات متراكمة عفت ملامحها وظلت في الفكر والوجدان، لذلك فأبرز توثرات المثاقفة كانت في مجال الإبداع الفني لارتباطه بالحياة اليومية خاصة في الموشح والزجل . ونروم في هذا العرض مقاربة لغة الزجل الأندلسي من خلال ديوان ابن قزمان، وانسجاما مع الموضوع وما يتصل به، منهجيا، آثرت الوصول إلى لبه عبر المرور بالمحاور التالية التي تناولتها بنوع من الاختصار، بداية بمفهوم الزجل، ونشأته وبناء الألفاظ فيه، ثم مرورا بمحور العامية الأندلسية وصولا إلى هدف العرض، لغة الزجل الأندلسي من خلال ديوان ابن قزمان. I. فــي مفهـــــوم الـــــــــزجــل: لقد وردت كلمة الزجل منذ العهود العربية الأولى في الحديث النبوي الذي يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم " نزلت سورة الأنعام معها موكب من الملائكة سد ما بين الخافتين لهم زجل بالتسبيح والارض بهم ترتج" زجل بالتسبيح أي صوت رفيع عال" و الزجل في اللغة " الصوت" يقال" سحاب زاجل" إذا كان فيه الرعد، ويقال لصوت الأحجار والحديد والجماد، قال الشاعر: مررت على وادى شيات فراعني *** به زجل الأحجار تحت المعاول تسلمها عبل الذراع كأنمـــــــا *** حنى الدهر فيما بينهم وائــــــــل فقلت له شلت يمينك خلهـــــــا *** لمدكر أو مخبر أو مسائــــــــل منازل قوم اذكرتنا حديثهــــــم *** ولم أر أحلى من حديث المنازل ويضيف الحلي أنما سمي هذا الفن زجلا لأنه لا يلتد به وتفهم مقاطع أوزانه ولزوم قوافيه حتى يغنى به ويصوت فيزول اللبس بذلك . والزجل محركة اللعب والحلبة والتطريب كما ورد في القاموس المحيط. ويقسم الزجل إلى أربعة أقسام يفرق بينها حسب المضمون، فما تضمن الغزل والنسيب والخمري زجلا، وما تضمن الهزل والخلاعة والاجماض سمي بلقيا وما جاء بالهجاء والثلب قرقيا، وعرض المواعظ والحكمة مكفرا، ولقبوا كا ما أعرب من ألفاظه من هذه الفنون " بالمزنم" مشتقا من الرنيم، وهو المستلحق في قوم وليس منهم" II. نشــــــــأة الـــــــزجـــــــل: تتفق معظم المصادر على أن الزجل نشأ أندلسيا، وهو ما أكده كثير من القدامى الذين تحدثوا عن هذا الفن، منهم ابن سعيد (المتوفى 680هـ) وصفي الدين الحلى المتوفي (749هـ) وابن خلدون المتوفى (808 هـ). فالأندلسيون لم يؤرخوا لظهور الزجل، وابن سعيد اكتفى ب" قيلت في الأندلس، قبل أبي بكر بن قزمان، ولكن لم تظهر حلاها ولا انسكبت معانيها، ولا اشتهرت رشاقتها إلا في زمانه، وكان في زمن الملثمين" غير أن قول ابن خلدون والحلي لا يعنيان في التأريخ لهذا الفن، لكن هذا الأخير يعين في تفسير ظهوره، والشكل الذي اتخذه" وأول ما نظموا الأزجال جعلوها قصائد مقصدة، وأبياتا مجردة، على عروض العرب بقافية واحدة كالقريض، لا تغايره بغير اللحن واللفظ العامي، وسموها القصائد الزجلية. ثم بذكر الحلي أنهم عدلوا عن هذا الوزن الواحد العربي إلىالمقطوعات المختلفة القوافي والأوزان، استجابة لقواعد الغناء و الموسيقة، ويسوق 13 قصيدة زجلية لمدغليس هي على بحور الشعر العربي. وبما أن ابن بسام ارتفع بالموشح إلى القرن الثالث فإن القول باقتفاء الزجل أثره راجح . ويستبعد.أيضا تزامنه مع الموشح ، فالموشحات تمثل الحلقة الوسطى لتضمنها بعضا من العامية والأعجمية في خرجاتها، لتفسح المجال للزجل وهو الشعر العامي، والنصوص التي وصلتنا تثبت أن الزجل ظهر بعدما ثبت الموشح وأرسى أركانه، والفارق الزمني بين الفنين حسب الشكعة هو الفارق بين عبادة بن ماء السماء صانع الموشحات ابي بكر بن قزمان . و من الطبيعي أن ينتشر هذا اللون حين استعصى الشعر الفصيح على العامة خاصة الأعاجم، عندما استولى البربر على مقاليد الأمور، و دليل تفشي العامية و عدم فهم الكلام الفصيح، عدم فهم بن تاشفين ما كتبه إليه المعتمد لما بعث له: بنتم و بنا فما ابتلت جوانحنا *** شوقا إليكم و لا جفت مآقينــــا حالت لفقدكم أيامنا فغــــدت *** سودا و كانت بكم بيضا ليالينا قال للقارئ الذي تلا عليه البيتين، يطلب من جواري سودا و بيضا، ثم صحح له و بين له فقال و الله جيد، أكتب له في جوابه، و الله دموعنا تجري عليه، و رؤوسنا توجعنا من بعده . و يستند في ترجيح تأخر الزجل أيضا على قول ابن خلدون " و لما شاع فن التوشيح في أهل الأندلس و أخذ به الجمهور لسلاسته و تنميق كلامه و تصريع أجزائه نسجت العامة من أهل الأمصار على منواله و نظموا في طريقه بلغتهم الحضرية من غير أن يلتزموا فيه إعرابا و استحدثوا فنا سموه الزجل" و قد اختلف فيمن اخترع الزجل، فقيل ابن غزلة استخرجه من الموشح، و قيل يخلف بن راشد، و كان هو إمام الزجالين، قبل ابن قزمان، " و كان ينظم الزجل القوى من الكلام، فلما ظهر ابن قزمان و نظم السهل الرقيق مال الناس إليه وصار هو الإمام بعده...و قيل مدغليس.و الصحيح أنه ليس بمخترعه" لأن مكي يذكر أنه وجد له زجلا مديحا يذكر في آخره أنه عارض به ابن قزمان فدل ذلك على أنه معاصره أو متأخر عنه لكن السامرائي يعد ابن قزمان أول من ابتكر الأزجال و هو إمام الزجالين الذي ذاعت شهرته لكن رضوان الداية يذكر أنه قبل قزمان عرف عدد قليل في هذا الفن منهم، ابن رشد، و أفضل بن نمارة . و ابن قزمان بمثابة المتنبي في الشعر و من كبار الزجالين مدغليس، و هو خليف ابن قزمان، و من أشهرهم: ابن غزلة، و ابن جحدر الإشبيلي، و أبو زيد الحداد و البكازور البلنسي، و أبو عبد الله محمد بن حسون، و أبو عمرو الزاهد و أبو عبد لله بن قاطب، و أبو بكر بن صارم الإشبيلي...و قد خصصت دواوين مماثلة لدواوين الشعراء غير أنها ضاعت و لم يصلنا إلا ديوان واحد هو لإبن قزمان، لأن القوم كانوا يتساهلون في المحافظة عليه . IIIالتعامــل مع الألــفاظ في بناء الـــزجــل: العناصر التي يمكن اعتبارها بنائية في القصيدة الزجلية استنادا إلى مؤلف صفي الدين الحلي هي: الألفاظ و الأوزان و القوافي ، و سنقتصر في هذا العرض على الألفاظ انسجاما مع الموضوع الذي قصدنا إليه، و هو لغة الزجل، و قد تم التعامل مع الألفاظ على طريقين. أ- ما منعوا من استعماله و هو جائز في الشعر: - استعمال اللفظة اللغوية على نمط العرب - الإعراب بالحروف، يقول ابن قزمان " و الإعراب و هو أقبح ما يكون في الزجل و أثقل من إقبال الأجل " إلا ما جاء على سبيل التندر و السخرية " اللهم إلا أتى تندرهم بمعان ملامح و تعريض أحد من السلاح " و يضيف " و ليس اللحن في الكلام المعرب القصيد أو الموشح بأقبح من الإعراب في الزجل" - منعوا استعمال أدوات النحو كالسين و سوف التي تعرب الفعل من الحال و الإستقبال. - منذ و مذ و كاف التشبيه، و أمثال ذلك - استعمال الحركات الثقيلة كالمد و الهمز و التشديد - استعمال التنوين في غير الإسم الموصوف - اثبات نون الجمع مطلقا. - تضمين آية من كتاب الله، كيلا يدخل الزجل كلام معرب و هذه الأشياء كلها حرمها المتأخرون على ناظمي الأزجال، و خلافا لما يزعمه البعض من كون ابن قزمان شرطه عليهم، يرى المؤلف أن ذلك لم يكن منه " لأنه استعمل ذلك كله، و زيادة عليه " و أورد استشهادات كثيرة من زجله ب- ما استعملوه و هو غير جائز في الشعر - زيادة حرف في الكلمة، و إنقاص حرف من أخرى، فالأول ( أتحكم ) و أصلها ( تحكم ) و الثاني نحو ( مت) و أصلها ( متى ). - زيادة همزة غير أصلية، و إنقاص همزة أصلة من أخرى نحو ( تخيل ) و أصل الكلمة بغير همزة، و الثاني نحو ( ليك) بمعنى ( إليك). - زيادة مدة في الكلمة غير أصلية و إسقاطها من أخرى الأول نحو (أنا ) مد الألف، و الثاني جات و الأصل جاءت. - تشديد المخفض و تخفيف المشدد، الأول مثل تشديد حروف الجر ( منو، عنو )، و الثاني نحو ( مرة ) - إشباع الحركة حتى تصير حرف علة، و إسقاط حرف العلة و الإستغناء عنه بالحركة، فالأول نحو ( نستنشقوك ) فالواو ناشئة على إشباع ضمة القاف قبلها، و أما إشباع الفتحة حتى تصير ألفا فنحو ( يعشاقو) فالألف ناشئة عن فتحة الشين، و أما إشباع الكسرة فنحو (بيه) فإن الياء ناشئة عن كسرة الياء، و الثاني، أي إسقاط حروف العلة و الاستغناء عنها بالحركات الثلاث قبلها، فأما إسقاط الواو و الاستغناء بضمة، فنحو ( في قلبنا ) . و أما إسقاط الألف و الاستغناء عنها بفتحة قبلها نحو ( للحيط ). و أما إسقاط الياء لكسرة ما قبلها نحو ( ترد ) إذ أصلها تريد. - جزم المعرب بغير جازم، و منع الجزم مع وجود جازم، فالأول نحو ( قالوا عني عاشق فيك أش تقله يصدقوا، و الثاني منع الجزم في : من نحبو يقل لي يا مــــــــولاي ** يا بني اقلب تصيــــب و تصيب جواب الأمر فهي مجزومة. - تذكير المؤنث و تأنيث المذكر - جمع المفرد و إفراد الجمع. - إقامة الحرف الواحد مكان كلمة، الكاف بدل كان و الخاء مكان خد، الأول مثال ( كنحلف ) و يريد ( كنا نحلف ). و الثاني نحو (كترى ) و أصلها خذ ترى) - إدخال حرف النداء على ما فيه الألف و اللام نحو ( يا لغزال ). - التصرف في صيغة اللفظة الصحيحة، و نقلها إلى صيغة أخرى بزيادة أو نقصان في الحروف. تبديل الكلمةلإقامة الوزن نحو ( اللى ) أصلها ( الذي ) . و ( نجري) أصلها ( سنجري).
- IV العامــــــــــــــــية الأندلســــــــــــــــية:
يبدو أن ظهور الموشحات و الأزجال كان مؤذنا .بأن العامية الأندلسية بلغت ذروة التكوين و الاستقرار، و أصبحت لهجة أدبية تنافس الفصحى، و يشير المقدسي إلى أنها " عربية غير أنها منغلقة ...و لهم ( يقصد الأندلسيون ) لسان آخر يقارب الرومي، و هو يقر هنا صعوبة اللهجة و مسألة الإزدواج اللغوي، و هي ثمرة انتشار العربية في بيئات جديدة متعددة العناصر و اللغات، و نتيجة إختلاط الفاتحين، و غيرهم من العجم و البربر، و جاء في وصف ابن حزم " نحن نجد العامة قد بدلت الألفاظ في اللغة العربية تبديلا، و هو في البعد عن أصل تلك الكلمة كلغة أخرى و لا فرق فنجدهم يقولون في العنب: العينب، و في السوط،أسطوط، و في ثلاثة دنانير: ثلثد، و إن تعرب البربري فأراد أن يقول الشجرة قال: السجرة، و إذا تعرب الجليقي أبدل من العين الحاء هاء فيقول مهمدا إذا أراد أن يقول محمدا" و هذه اللغة التي يستمد منها الزجل لغته هي مشتقة من الفصحى معجما و نظاما نحوياو صرفيا، و جل ما احتفظت به منها ما تعلق بالمحسوس من حياة التحضر أما سجل البداوة الصحراوية فنادر في الزجل نعثر عليه في الأسماء ذات دلالات مجردة كالقيم الدينية و البدوية، و تسرب إلى هذه اللغة مخزون الذاكرة من لغات أخرى كالرومنثة و البربرية بمظهرين، أولهما ألفاظ و عبارات شاردة مما له صلة بالحياة اليومية و العملية، و ضرورات الحياة، مثل : البينو ( الخمر) ، بون ( حسن )، آذمطور ( الحبيب).. تسربت للفظا و معنا و المظهر الثاني، أصاب الفصحى في مستوى تصريف الأصوات في الكلام، كتسكين المتحرك، و اختزال بعض الألفاظ، أو قطعها أو بترها أو بسطها، او تغيير أداء الصوت، الضاد تصبح دالا فهذه اللغة حديثة، لأنها ليست في الشعر كالفصحى. و قديمة لأن جدورها من الفصحى، و أهم ما يميزها أنها بنت المدينة، فقدت كل صلة تقريبا بثقافة الصحراء و روح البداوة و عموما فقد أثرت في العامية الأندلسية عوامل عديدة نذكر منها على وجه الإختصار، لهجات القبائل العربية الداخلة إلى الأندلس من قيسية و يمنية، العجمية EL REMANCE الإسبانية القديمة، ذلك أن سكان الأندلس عموما كانوا يعرفونها، و يرى د، عبد العزيز الأهواني أن " وجود الخرجات الأعجمية في مخطوطات الموشحات الأندلسية دون شرح لمعاني ألفاظها دليل على على أن هذه اللغة الأعجمية كانت معروفة لدى قراء الموشحات" و قد أثرت هذه الأعجمية في عامية الأندلس من عدة وجوه أحدها دخول كثير من مفرداتها في قاموس الاستعمال العامي. و العمل الآخر هو البربرية، لأن البربر كانوا يؤلفون قسما كبيرا من سكان الأندلس، و قد دخلت كذلك العامية الأندلسية كثير من الكلمات البربرية. و قد استعرض د.بن شريفة مجموعة من القواعد العامة للهجة الأندلسية لا يتسع المقام لذكرها V - لـغة الزجل الأندلسي من خـــلال ديوان ابــن قزمان: تمثل الأمثال و الأزجال أكثر الوثائق أهمية في معرفة طبيعة العامية الأندلسية و خاصة في البناء و التركيب و مجال الإستعمال بشكل عام. و هي تقدم مادة تاريخية و اجتماعية و أدبية خصبة، خاصة و أن ظهور الأزجال كما أشرنا من علامات استقرار و تتكون العامية الأندلسية، و هو ما أقره ابن خلدون من أن لغتهم مباينة بعض الشيء للغة أهل المشرق..و إنها متأثرة بعجمة الجلالقة" و لقد استخلص سليم ريدان جملة من الخصائص في مقاله القيم حول لغة الزجل، جعل ما أسماه بالتسمية الصريحة في مقدمتها. وهي التي تصدر عن عفوية بين المسمى والإسم وأساسها الوجدان، وهي تسمية مكشوفة تستحضر المسمى أصواتا وصيغا وبنى ناطقة بسماته المتواضع عليها وغير المتواضع عليها مما يرتسم في فكر المسمى وخياله ويتكشف له في الآن، ومن تشكيلات التسمية الصريحة في أزجال ابن قزمان ما يلي: 96/10 التسمية الصريحة: محاكاة الأصوات: يقول في وصف طريقة الممدوح في الشرب
إنما يجعل الشراب صب صب وترى فمه في القطيع عب عب وهو هابط لمعدتــــــه دب دب ثم لا اتكاء ولا انعطـــــــاف
ويقول في وصف جو سنة جافة مجدبة (86/1)
الهــــــــــــــو انسوا هو هو لا ريحا غربــــي ولا نو لو وقــع خاتمك في البير كتراه من كثرة الضـــــو
فصوت هبوب الرياح الجافة تحقق صوتا في الكلام (هو هو) وانتشرت في القاضية (و)، ويقول واصفا بعض مكونات أجواء الطرب والمتعة (3/148)
ونجوم السعد تطلـــع *** ونوار الخيرى يلكـــح عنــــــا ودن دن دن *** ولعب وقح قح قـــــــح ثم رل عني يا قارم *** انجرح عكاني أح أح ...
ومن وجوه التسمية الصريحة محاكاة الأقوال حيث يكون الكلام المنطوق مرجعا لذاته من أمثلته 20(/26)
وإذا تكلم لس يغلب غـــــــاـلب. بين يديه يرجع ابن باجــة طالب والحديث يدري من أمر غرائب تراه "قال مسلم" و"قال البخاري"
وقول مادحا: (67/9). يا بصير بقال مالك" يا فهيم بكل غامض. ويقول ساخرا من عبارات الاستقبال التي يرددها الناس في حياتهم وكثيرا ما تخفي حقيقة مواطنهم، " فبعد أن ادعى الزجال لزائره على لسان خادمه أنه نائم اضطر بعد ذلك إلى الظهور له ،اتهم خادمه بضيق النفس وأكثر من عبارات الاستقبال إخفاء لكذبه (..../11/12) عطن دونك ! تحنث قط في التفصيل آش تحية وآش سلاما طويــــــــــــلا ورأيت من سرور ومن تبجـــــــــيل ومن آش حالو ومن " كف ات" قنطار" ... ومن الله يعلم محبتي فيــــــــــــــــــك ومن اني مسرور وفارح بيـــــــــــــك ومن الشكر والثــــــــــنا فشقــــــتار (أعجمية) تعني الكوم من الحزم (كورنيطي)
و من التسمية الصريحة في لغة الزجل التصغير. وقد أشار الأهواني إلى أنه مطرد في الزجل الأندلسي. وهو من السمات الواضحة في العامية الأندلسية كقول ابن قزمان في الزجل (10). فمن التفـــــــاح نهيدات **** ومن الدرمك خديدات ومن الجوهر ضريسات **** ومن السكر فميمـــــة
ونراه صغر الفم، وهو مذكر، ونفس الشيء فعله مدغليس.
وفميمة حلو حمرا صغيرة * بضريسات دق بيض مستوية
ومن وجوه التسمية الصريحة تهجي حروف الكلمة، وهو تفكيك للفظ إلى الحوف المكونة له وذكرها بأسمائها عوض أدائها صوتيا. ولهذا التهجي أسرار في بعض فواتح السور، وله دلالة في الاستعمال العادي والفني، فكأن ذلك تفكيك لمكونات الكلمة الدلالية وكشف لكوامنها وهو من ناحية ركون إلى حجب المعنى والرمز إليه (70/3) ما هو لثامك إلا عـــــد قاتلــه الله ما أسعــــــــد معدور أنا فيه إن نحسد يشفي من قاف وباء ولام
(74/3)- واحد النهار كانت أخلاقه عين سين لام.
ومن وجوه التسمية الصريحة التكرار، ففي الفصحى مثلا لا يقع تأكيد اللون والذوق على نحو ابن قزمان. (116/1). ماع معشوق إذا نظر بخديدات حمر حمر ابيض اشقر حلو حل
قد كالغصن إذا انثنى ويقول مادحا (13/10) وميز بالعالم أغرب وأغرب وفهم بالأشياء شيا مـــــجرب
ويقول: (68/6) يا فقي القمح غالي والدقيق أغلى وأغلى وفي الفصحى لا تكرر أداة الاستفهام في نحو قوله (61/5) الذي إن قلت ل أكرم يقول نـــــعـــم حبذا واش الانــــــــــــسان بلا كرم؟ كم مضى من مال حاجتي وكم وكم ؟! الكلام الخليط: وهو مستويات، الأول يتمثل في امتزاج الغات، والثاني يتمثل في امتزاج المستويات اللغوية في اللغة الواحدة، فالوجه الأول كثير، نجد ألفاظا وعبارات وحتى جمل من الرومنثية أو البربرية أو غيرهما، تمازج العامية بالفصحى وتداخلها في مواطن دون أخرى ... وتبدوا الرومنثية أكثر شيوعا وحضورا من البربرية، وقد لاحظ المستشرف كورينطي أن استعمال البربرية والرومانثية يبدو في علاقة بالمخاطب، لكن ريدان يرى ذلك منطبقا فقط على البربرية، فالرومثية استعمالها يثير الدهشة لمن لا يعرف مدلولها، وتحرك سواكن من ألفها إلى ذلك الماض ولغته. وعموما فهي تصدم السمع وتثير ا لحنين إلى المجهول والمعلوم المنقطع، وعموما فهي تحضر في مواضع معينة كالغزل والخمريات وفي مظاهر الحياة اليومية الدنيا كالعنف والعربدة والمجون. * البربريـة في علاقتها بالمخاطب كقوله (زجل 14) المخاطب إمبراطوري يهرب النحس مني عام متى قيل: أرول وترى السعد مقبل متى ما قل أشــــــــكد * الرومانثية: توظيفها لا يخلو من دلالات أهمها ذلك الحنين الغامض إلى ماضي حضاري سحيق، وتعلق بلغة الأمومة وعفويتها، ونضارتها، ويجد الأندلسي في ترديدها متعة تحرك سواكنه وتحقق ذاته من يشعر أولا يشعر- ففي الزجل 90 ورد العديد من الألفاظ الرومنثية فضلا عن صيغة التصغير الرومنثية يقول:نحن والله جلوس وجاتنا بتاج بربرية واي حسن من قناج (السلة) أربعد لس شيرمن قرظــاج (نبات مستعمل في تهذيب الصوف) ولا تـــهجم فلـــس إغــرنون (عصيدة من القمح واللبن) واستعمالها (الرومنثية) كثير، نكتفي ببعض ما في الزجل (20) المتألف من 29 بيتا وحضرت الرومنسية في الأبيات (3-6-9-10-14-16)وهي تناسب القسم الغزلي. يقول الزجال بعد أن حاول مراودة زوجة جاره، وبعد خوفه من الفضيحة وتذكره المبادئ يقول في اسلوب ساخر مقحما بعض عبارات الرومنثية: لــيس نرى الجارة بحال أخت حتى لو كنت أظرناط دومرت ولو أترمت علي دنــــــــخت ما رضيت مكار تنزع شداداري
لكنه رغم خوفه من الفضيحة وتذكر هذه المبادئ يبقة لجارته في نفسه هوى فيقول: ربما يذ تنــــــــــــيت هي إلـــي وتــــــــــهاودني وتحرص علي إن وقع يا قوم ذا الصيد في داي بنت من عزبي وريي اختياري ويقول ناقلا حواره مع امرأة تقرأ الكف: (84/11) قلت لوانظر بالله ثم آش يكون نظرت كفها وقالت لي: بون. "بن" كلمة كيثرة الاستعمال في كل ما يستحسنه الإنسان، ويقول في وصف جمال حبيبته: (21/6) فاج رطند نموت وراه بالصياح وتجي بالخــطاب يديها الـــملاح وملاح يذ إذ يزول الخــــــــطاب فكلمة رطند rond لم يستند عليها الوزن ولا القافية، وتفيد الاستدارة واستعمال الزجال مدور في مواطن أخرى، لكن اللفظ الأعجمي يوحي بالامتلاء وقد تردد كثيرا، ما يدل على أنها في الاستعمال لها من المعاني الحافة ما ليس للكلمة العربية، ويقول أيضا: الذي نموت في شانه * * كل يوم وكل ليلــــــة يذ قـــل ذا الغزالة * * إبكـله ذا الحــجـيلة إن هذا الاستعمال الرومانثي يضفي على الكلمات طابعا محليا غنيا بالمعاني والإيقاع. ومن المواضيع التي تكثر فيها الرومنثية، اللباس و المأكل و المشرب فمن الألفاظ المتصلة بالمأكل لبطة ( عجين مخمر )، فلار ( نوع من الفطائر الرقائقية، إغرون ( عصيدة من لقمح و اللبن ) ...أما المشرب فقد هيمنت عليه البينو ( الخمرة ) ......( 90/1) بينو بيو و دعني مما يقال إ ترك الــخلاع عني جون و يقول ( 148/5) يا شراب يا بينو ما أحلاك * * و الله إنك حلو سكر.
فكأن الزجال حين يسمى الخمرة بإسمها الأعجمي يخصصها و يعود بها إلى حقلها الدلالي و الحضاري الأصيل فهي البينو vinumباللاتينية، و يعلق زيدان " فهذه في العربية تفيد المدس، أما بينو فهي إلى المقدس أقرب منها إلى المدنس و قد ذهب المستشرق بالنثيا في القول إلى أن هذا الإزدواج اللغوي بين العربية و الرومنشية " هو الأصل في نشوء طراز شعري مختلط تمتزج فيه مؤثرات غربية و شرقية ... و ما زال أمره يعظم و الإقبال عليه يشتد حتى أصبح في يوم من الأيام لونا من الأدب، و قد أخذ هذا الطراز الجديد من الأدب الشعبي صورتين، أحدهما الزجل و الثانية الموشحة" و هو نفسه الرأي الذي أكده الأهواني من " وجود أصل مشترك ظهر في البيئة الأدلسية من عهودها القديمة، و كان له الفضل في ظهور التوشيح و كان له أثر في استقلال الزجل و تطوره، ذلك الأصل هو الأغنية الشعبية...مصوغة في لغة عامية و في لغة رومية كان يتحدث بها كثير من المسلمين" - الوجه الآخر من الكلام الخليط في تعدد المستويت اللغوية في اللغة الواحدة، سجلات من الألفاظ الشريفة تتقابل في الزجل الواحد مع سجلات من الألفاظ الساقطة نمثل له بهذا المثال، يقول ذاكرا خبر معركة الزلاقة على سبيل التمجيد لأمير مرابطي ( 38/10) أي نهر كان حشد إليه الورى. و جرى للنـــــصارى فيه ما جرى. في خصى ولدي كنت أنا لم نرى. إنما أخبرني بالقصة خــــــــــبير. أي خمارا لطيفا و لـــعبا خبـــــث. القـــــتال ساكت و الحديد يستغيث لا تــــــــكرر علي هذا الحديـــــــث. فإني ذا اللــــيلة كنبول في الــسرير. فاستعمال الخصي، و البول و الخمار ( وهو في حالة سكر...) كلها معان لا تليق و التمجيد و الوقار و الإشادة بالمعركة الخالدة... 2- التسمية بالمجاز: إن أهم أشكال التسمية بالمجاز التشبيه و الإستعارة و ضرب المثل، لقد تلقى الزجل معظم الصور التيتعاورهاالشعراء، لكنها كثيرا ما تتشكل تشكلا جديدا، و الرصيد البدوي الصحراوي كاد أن ينعدم فيها، و سنحاول إهمال هذه الصور المتشابهة بحثا عن التشكيلات الجديدة. • التشبيه يقول في وصف المحبوبة ( رقم 175). يعشــق مليح مثل لقمر. يمزج بعــينيه الحتتور بشــعر أسود كالــقدر ووجها أبيــض كاللبن. فتشبيه سواء الشعر بالقدر و بياض الوجه باللبن و نعومة البشرة و بياضها بالدقيق ( الدرمك)، فهي صور يعرض عنها الشعراء و يأباها عليهم النقاد. - صور من المحيط المحلي اختصت بالزجل دون الشعر. تشبيه ردف الحبيبة ليس بالكثيب و لكن بجبل فار بالأندلس ( 142/2) و حزام بحال ديني في الرقة و الكفل بغقد جــبل فــــــــــار - و يستعير الزجال القرفة لبعض ملامح الجمال في الحبيبة ربما لسمرة بشرتها مع حرارة الجسد ( 142/3) يا قريف يا حلوة المنظر و ينسب الزجال سمرة حبيبته إلى القمح ( 130/2/3) قمـحية اللون كذا حلـــــــي تعجبني لو ريت حفيفة الدم. من ظر تدخل في قلب الإنسان. و قد علق الأهواتي عليه " فالقمح الذي يأكله الشعراء كل يوم لا يشبهون به السمراء، و لكن العامة و منهم الزجال يأخذون تشبيهاتهم من الحياة" - تفاوت المستويات اللغوية: يقول في سياق رثائي متوجها بالخطاب إلى الميت وهو ابن حمد يس قاضي قرطبة (83/14). جاتنا في فــقدك رزية كبــيرة. سيرة الإحسان يالــسنها ســيرة وانكشــف بعدك أقواما كثــــيرة. كشفة البرغوث في جبهة الأصلع فالجزء الأخير فيه صورة مبتذلة، لا تنسجم مع الرثاء وما يقتضيه من وقار.
الكنايـــــة: يقول في أسلوب ساخر مكنيا عن احتياجه (22/12) بخير أنا وشغل في إقبال وكل يوم الدقيق بالأحمال وقد نسج العنكبوت في الميزان (المصاة) وعــــشش الفار على عربالي المــــــثل: يقول منوها بحرص ممدوحه على نشرالأمن بمطاردة المارقين وقطاع الطرق والإيقاع بهم وتسليط الأحكام عليهم فيتدمرون ويطلقون صيحاتهم للاستغاثة:
وإن أخذ في طريق من يسلب. أقل ما يعتريه أن يصلـــــــب يا سارقا يستغيث إذ يضرب أكثر تصيح الحيتان في المقلى
ومعنى تصيح الحيتان في المقلى مثل حقق بكثافة معنى الاستغاثة اليائسة، وعموما فالزجال ينهل من مصدرين: ثقافة الفصحى من ناحية وثقافة العامية – مثلما تبين ذلك في الاستعارة والتشبيه لكن المصدر الثاني أكثر هيمنة ولعل هذا ما دفع الأهواني إلى سحب صفة الشاعر الشعبي بمعناها الدقيق عن الزجال، لأنه من طبقة على حظ مهم من الثقافة العربية القديمة ولأنه تأثر بالقصيدة العربية وبالموشحة الأندلسية، بل يرى الأهواني أن لغة الزجل لم تكن عامية خالصة، " إذ كانت تزاحمها لغة الكتابة أحيانا ودليله أن أزجال ابن قزمان تفهم في كل البلاد العربية، فالزجال في الحقيقة يقف موقفا وسطا بين الفنان الشعبي والفنان " المدرسي" فمن قول ابن قزمان في الزجل 68 من ديوانه: إنما نفرح أو نضحك ** وإنما نلعب و نلهو من طلب بحال يهزو *** أو تقول العامة يده نعرف أنه فرق بين لغته ولغة العامة، فهو يقولون (يذهبون)للدلالة على الهزء، أو الهذيان، في مقابل " يهزو" عند الزجالين خــــاتـــــــمــــــة: إن لغة ابن قزمان فريدة في نوعها لاحتوائها على عبارات رومانثية انصهرت مع اللسان العربي، فدرست التقارب بين الضفتين غير أن المعجم الرومانثي عبارة عن كلمات متناثرة لا تضاهي المعجم العربي، وينبه عيسى الدودي إلى أن ابن قزمان وأدبه عاملان مساعدان على فهم الواقع الأندلسي في تلك الفترة، وما طبعها من تقاليد وأعراف، بل وثيقة تاريخية لفهم بعض الأحداث والوقائع ويشير إلى أن بعض عادات الشرب والمأكل، والملمس والمناسبات ما تزال ماثلة، ما يدل على تجدر هذا التراث المشترك الذي يحتاج إلى مزيد من البحث.
ومن اختبارات ابن قزمان، مقابلة الشعر بالزجل مقابلة اختلاف ففي الأول يحرص على صفاء اللغة، بينما في الثاني الخلط بين اللغات والمستويات والمقامات، بشكل ينساق مع الطبع الذي تفيض فيه اللغة مشاعرا وترتعد وجدانا. وهكذا تجيء اللغة متجهة إلى الصور والأفعال في حضيض الاستعمال اليومي، الذي تسكنه العواطف والغرائز المتأججة. وتارة أخرى تطالعنا مقاطع أرق وألطف، من نوع صيغ التصغير ودعاء المتسول ... أما الكلام الخليط، فوروده يهتز له المتلقي مثلما إذا وردت البربرية بالنسبة للبربري والرومانثية بالنسبة للأندلسي.
المصادر و المراجع:
- الأدب الأندلـــــسي، موضوعاته و فنــونه. د.مصطفى الشكعـــة،دار العلم للملاييــــن .
- تاريخ الأمثال و الأزجال في الأندلس و المغرب بحوث ونصوص ج1 .منشورات وزارة الثقافة ،مطبعة دار المناهل 2006.
- المغرب في ضمير أدبائه ، وحدة البحث في الأدب المغربي القديم،تنسيق الأستاذ سليم ريدان دار سحر للنشر 1988
- دراسات في الأدب الأندلسي، د.سامي مكي العاني ساعدت الجامعة المستنصيرية على نشره. ط.1978
- دوان ابن قزمان، نصاولغة وعروضا، المعهد الإسباني العربي للثقافة مدريد 1980.
- العاطي الملي و المرخص الغالي تح حسين نظر الهيئة المصرية العامة للكتاب 1981.
- الزجل في الأندلس .د. عبد العزيز الأهواني، محاضرات القاها على طلبة قسم الدراسا ت الأدبية واللغوية 1994.
- عالم الفكر ، حضارة الأندلس ، المجلد الثاني عشر ،أبريل ،مايو يونيو 1981 ، مجلة دورية تصدر عن وزارة الاعلام في الكويت .
- في الأ دب الأندلسي .د.محمد رضوان الداية ، دار الفكر ، بيروت لبنان دمشق سوريا ، ط .جمادة الأخرة 1421 ه سبتمبر 2000م.
- القصيدة ،عباس الجراري ، طبعت تحت نفقة الحاج عبد القادر المكناسي ، حقوق الطبع محفوظة للمؤلف .
- مقدمة ابن خلدون : تحقيق عبد السلام الشدادي ،ج3 .بيت الفنون و العلوم و الأدب .ط1 : الدار البيضاء 2005م