موضوع: شعرالحب في الأندلس الأحد نوفمبر 15, 2009 10:29 am
مقدمــة: إن موضوع شعر الحبّ في موطن الأندلس حتى القرن الخامس الهجري يحسن تقسيمه منهجيا إلى قسمين:الأول؛ قبل ابن حزم و الثاني؛ بعده؛ أي القرن الخامس ،وهذا يفترض الحديث أولا عن الدراسات التي تناولت الموضوع قبل ابن حزم في الأندلس ، ويبدو أنه لم يجد تنظيرا حول الحب وإن كانت البيئة الأندلسية أمدّته بشيئين هامين : الأول : الشعر العفيف المشبع بالشعر العذري ، وإن كان يوازيه شعر المجون ، وقد مهّد ابن فرج في كتابه " الحدائق " لذلك السياق الأندلسي الخالص في شعر الحب ، وكان ابن حزم معجبا بهذا الكتاب ، لكنه يزيد على ابن فرج معرفة أشعار جدت بعده وجرت في ذلك السياق ، خاصة أن ابن حزم واسع الإطلاع ، وملم بما يتصل بالتراث الأدبي وغير الأدبي بالأندلس ، وثانيهما قصص الحب الماضية والمعاصرة لابن حزم، مما عرضه أوسمع به . وبما أن ابن حزم ولد في أواخر القرن الرابع؛ فهذا يعني انبساط الدراسة على أهم الشعراء الذين جاؤوا قبل المائة الرابعة الهجرية ، وبمعنى آخر عرض صورة موجزة لشعر الغزل وأعلامه في هذه الفترة أولا في المحور الأول، ثم المحور الثاني يخصّص لشعر الغزل بعد ابن حزم إلى حدود القرن الخامس . أولا: شعر الحبّ الأندلسي قبل ابن حزم . 1- الغـزل : لا يخفى على دارس تاريخ الأندلس، أن فترة الولاة كان فيها المجتمع الأندلسي فاقدا لمقومات الاستقرار السياسي و النفسي و الحسي، وفي هذا الجو تكوّنت الخيوط الأولى للشعر الأندلسي ، ذلك أن العرب الوافدين ، على الأندلس كان من بينهم من يقرض الشعر . وينبغي لفت الانتباه إلى أن هذه الفترة كانت تتوفر على شعراء آخرين ضاع شعرهم وانمحى ذكرهم مع ما ضاع من التراث الأندلسي خاصة في تلك الفترة المضطربة التي انعدمت فيها المقاييس السياسية . ومختلف المصادر و المراجع تكاد تكون متشابهة فيما تقدم من أخبار ونصوص حول موضوع الغزل في هذه الفترة. وعموما نرى اتجاهين في الغزل؛ اتجاه من اتخذوا الغزل طريقا للهو و المتعة و الحب المادي ؛ ومن تغزلوا تعبّدا بالجمال و اتخذوا العفاف حائلا يحول بينهم وبين الغواية ، ولا نعثر على تصنيف للشعراء حسب هذين النوعين من الحب ، بل كلّ ما نجد مقطوعات تنتمي إلى هذا أو ذاك . وقد كان لأمراء البيت الأموي في الأندلس ، سواء الذين تولّوا الحكم أو الذين لم يتولّوه ، شعر في الغزل وغيره ، وهناك آثار أدبية لنفر آخرين ممن جاؤوا مع عبد الرحمان الداخل ، أو لحقوا به ، ومنهم عبد الملك بن بشر بن عبد الملك بن بشر بن مروان قال متغزلا : وبنفسي من عندها اليوم قلبي **** علق في حبالها معمـــود كلما قلت قد تناهيت عندهـا **** عادني من غرامها ما يعـود فبقلبي من لاعـج الحــب **** كل يوم سقم وحزن شـديد ومن أمراء البيت الأموي في الأندلس الحكم الربضي بن هشام بن عبد الرحمان بن الداخل ، عرف بالربضي لأنه فتك مرتين بأهل الربض؛ وهي الضاحية الجنوبية لقرطبة ، قال في جوار له غاضبنه وهجرنه فاتفقن أن يظهرن له شيئا من الدلال و التمنع : قضب من البان ماست فوق كثبان *** ولين وقد أزمعــن هـجــراني ناشدتهن بحقي فاعتزمن علـى ال *** عصيان حتى حلا منهن عصـياني ملكنني ملك من ذلت عزائـــمه*** للحب ذل أسير موثـق عـــان . من لي بمغتصبات الروح من بدني*** يغتصبنني في الهوى عزي وسلطاني ومن غزله الحسي تذلله لمحبوبته على الرغم من شدته وبأسه ، وهذا طابع أندلسي جديد أضافه المروانيون ، تذلل الملوك في سبيل الهوى ، و التضحية بعزة السلطان ، قال : يجعل الخد واضعا تحت ترب**** للذي يجـعل الحــرير أريكــا هكذا يحسن التـذلل للحــر**** ر إذا كان في الهـوى مملوكــا وكانت طروب زوجة ابنه عبد الرحمان الأوسط ، قد شغفت زوجها حبا ، غير إنه كان يعرف واجبه من قيادة الجيش في الدفاع عن الأندلس ضد أعدائه الشماليين ، مما جعله يمزج غزله فيها ببيان شجاعته قال : إذا ما بدت لي شمس النهــا **** ر طالعة ذكرتـني طـروبــا عداني عنك مزار العـــدا *** وقودي إلـيهم مـهــــيـبا سموت إلى الشرك في جحفل *** ملأت الحرون به و الـسهـوبا وقد استهل القصيدة بستة أبيات في الغزل ثم خلص إلى بيان بأسه ... وكان سعيد بن سليمان بن جودي السعدي أكثر غزله في جارية اسمها جيحان ، مغنية أحبها حبا ، ولم يستطع الوصول إليها ، فاشترى جارية سماها جيحان على الاسم الأول ، غير أنه لم تنسيه الأولى قال : سمعي أبى أن يكون الروح في بدني** فاعتاض قلبي منه لوعة الحــزن أعطيت جيحان روحي عن تذكرهـا** هذا ، ولم أرها يوما ولـم ترنــي فقل لجيحان ياسؤلي ويا أمـــلي **استوص خيرا بروح زال عن بدنـي كأني واسمها و الدمع منسكب **من مـقلتي، راهب صلى عـلى وثــن ومن شعره الحسي : لاشيء أملح من ساق على عنـق** ومن تناقل كاسات على طبــــق ولا ثنيت لداعي الموت يوم وغى ** كما أثنيت وحبل الحب في في عنق ونلحظ في هذا الشعر، عزة النفس في مجال الحكم و الحرب ثم التذلل و الضعف في ميادين الحب. ومن شعر سعيد شاعر عبد الرحمان قوله : حرمتك ما عدا نظرا مضرا *** بقـلب بـين أضـلاعـي مقيـم فعيني منك في جنات عدن *** مـخلـدة وقـلبي في الجـحـيم وأورد إحسان عباس بيتان للحكم المستنصر ينمان عن شعور مرهق رقيق ولغة سلسلة قال: عجبت –وقد ودّعتها كيف لم أمت** وكيف انثنت بعد الوداع يدعي معي فيا مقلتي العبري عليها اسكبي دما** ويا كبدي الحرى عليها تقطعـي و من كبار الشعراء لعهد الحكم المستنصر احمد ابن فرج الجياني؛ الذي يعدّ حسب شوقي ضيف حامل لواء الشعر العذري في الأنداس ، ويتّضح ذلك في قوله : وطائعة الوصال عففت عنها *** وما لشيطان فيـها بالمـطــاع بدت في الليل ساخرة فباتـت *** دياجي لليل ساخـرة القــنـاع وما من لحظة إلا وفيهـــا *** إلى فتن القلــوب بــها دواع فملكت النهى جمحات شوقـي*** لأجري في العفاف على طباعـي وبت بها مبيت السقب يظمأ *** فيمنعه الكعــام مـن الرضــاع . " فهو يظل معتصما بالعفاف المفطور عليه ، يردّ بعنف جمحات عواطفه وغرائزه ، ساميا بنفسه عن عالم الحيوانية و الغريزية النوعية إلى عالم كله سمو وصفاء ونقاء... " ومما يدل على ضياع كثير من الشعر قول ابن بسام عن سليمان الملقب بالمستعين – أحد أحفاد عبد الرحمان الناصر " هو أحد من شرف الشعر باسمه، وتصرف على حكمه... مع قعود همم أهل الأندلس يومئذ عن البحث عن مناقبهم - ويستأنف بن بسام - لم أظفر له إلا بقطعة عارض بها هارون الرشيد ، فشعشعت بها الكؤوس وتهادتها الأنفاس و النفوس ، وقد أثبتّ القطعتين معا ليرى الفرق ويعرف الحق قال هارون الرشيد : ملك الثلاث الآنسات عناني**** فحللن من قلبي بكل مكان... فقال سليمان المستعين: عجبا يهاب الليث حدّ سنانــي*** وأهاب لحظ فتواتر الأجفـــان وتملّكت نفسي ثلاث كالدّمــى*** زهر الوجوه نواعم الأبـــدان فأبحن من قلبي الحمى وتركنني*** في عز ملكي كالأسير العــان لاتعذلوا ملكا تذلّل للهــــوى*** ذلّ الهوى عز وملك ثـــان وقال وزير جعفر المصحفي : كلمتـني فـقلت ذر سقـيـط *** فـتأمـلت عقدها هـل تـناـثر فـازدهاها تبـسم فـأرتـنـي *** عـقد درّ مـن التـبسـّم آخـر ومن غزل مجالس الأنس ما أنشده عبد الله بن الشمر على البديهة في جارية الأمير عبد الرحمان عندما استكثر أحد حاشيته أن تتحلى جاريته بعقد قيمته عشرة آلاف دينار قال: أتقرن حصباء اليواقيت و الدر *** إلى من تعالى عن سنا ا لشمس و البدر فأكرم به من صبغة الله جوهرا *** تضاءل عنه جوهر البر و البحـــر وإعجاب الأمير بأبيات شاعره وبديهته، ومناغاته على رويه: ترى الورد فوق الياسمين بخدها *** كما فوق الروض المنور بالزهــر فلو أنني ملكت قلبي وناظري *** نظمتها منها على الجيد و النحـــر وكان حفيد الأمير عبد الرحمان الأوسط ، أبا محمد عبد الله بن محمد بن عبد الرحمان بن الحكم شاعرا مطبوعا ، يستحسن الرواة أشعاره في الغزل وبعضها في الزهد ، قال متغزلا في صباه : ويلي على شادن كحيـل *** في مثله يخلع العـــذار كأنما وجنتــــاه ورد *** خالطه النور و البهــار قضيب بان إذا تثنـــى *** يدير طرفا به احـورار فصفو ودي عليه وقف *** وما اطرد الليل و النهـار وقال أيضا، ونلاحظه اقتفى آثار المشرقين: يامهجة المشتاق ، ما أوجعك *** ويا أسير الحب ما أخشعـــك ويا رسول العين من لحظهـا*** بالرد و التبليغ ما أسرعـــك تذهـب بالسر وتأتي بــه *** في مجلس يخفى على من معك كم حاجـت أنجزت إبرازها*** تبارك الرحمان ما أطوعـــك. ومن الشعر الغزلي الذي نعثر عليه في هذه الفترة ، شعر يحيى بن الحكم البكري ، الملقب بالغزال ، فقد تولى السفارات للأمير عبد الرحمان الأوسط ، حيث ظفر في سفارته ببيزنطة بإعجاب الإمبراطورة ثيودورا ، وأنتجت علاقتهما شعرا غزليا ، سألته يوما عن سنّه وهو في حدود الخمسين ، فأجاب مداعبا ، عشرون سنة ، فتعجبت الإمبراطورة من الشيب ، فردّ : ألم تري قط مهرا يولد أشهب ؟ وهناك من يقول أن الغزال قال هذه الأبيات ارتجالا فازداد إعجاب الإمبراطورة به ، ولعل هذا يشير إلى إعجاب الناس عامة و النساء خاصة بالشعر حتى لو كان بلغة أجنبية : ياتود بارود الشــباب التي*** تطلع من أزرارها الكوكبـا قالت أرى فوديه قـد نورا *** دعابة توجب أن أدعبـــا قلت لها: ما بالــه ؟ إنه *** قد ينتج المهر كذا أشهبــا فاستضحكت عجبا بقولي لها*** وإنما قلت لكي تعجبــــا وقد حاولت إغراءه بخضب شعره فقال في ذلك : بكرت تحسّن لي سواء خضابي*** فكأن ذلك أعادني لشبابي ... فلدي ما تهوين من شأن الصبا*** وطلاوة الأخـلاق و الآداب ومن أشهر شعراء الأندلس شهاب الدين أحمد بن عبد ربه القرطبي، وقد حاول أن يعارض في الزهد كل مقطوعة في الغزل ، قال في شبابه . يا لؤلؤا يسبي العقول أنيقا ا*** ورشا بتقطيع القلوب رقيقـا ما إن رأيت ولا سمعت بمثلـه*** درا يعود من الحياء عقيقــا وإذا نظرت إلى محاسن وجهه *** أبصرت وجهك في سناه غريقا. وله تلك القطعة التي قدّم لها في كتابه" العقد الفريد " قال " ومن قولنا في رقة التشبيب و الشعر المطبوع "، ومطلعها: صحا القلب إلا خضرة تبعث الأسى*** لها زفرة موصولة بحنين وهي قطعة نحسّ فيها فطرة الملكة، وقوة الصياغة، وانتقاء اللفظ، وحسن السبك، وصدق الوجدان حرارة العاطفة، وحسب عبد العزيز بن عبد الله العواد . ومن قصص الحب العجيبة في هذا العصر ، أبو عبد الملك مروان ، بن عبد الرحمان بن عبد الناصر ، المعروف بالطليق المرواني ، فقد قتل أباه من أجل جارية ربّاها أبوه معها ، ونشأ على حبها ، فاستأثر الأب بها دون الابن ، فانتضى سيفا وغافل أباه فقتله ، وكان المنصور بن أبي عامر يدير الحكم ، فسجنه ستة عشر عاما ، ثم أطلقه فسمي الطليق المرواني ، ومن أشعاره الجميلة قصيدته في الغزل و الوصف و الشراب ، وهي مشهورة منها : غصن يهتز في دعص نقا *** يجتني منه فؤادي حرقــا أطلع الحسن لنا من وجهه *** قمرا ليس يرى مـمحقـا ورنا عن طرف ريم أحور *** لحظه سهم لقـلبي فوقـا باسم عن عقد در خلتــه *** سلبتـه لثـاه العنقـــا ويبدو الطليق المرواني ، في كل أشهاره ، عاشقا للطبيعة ، دائم المزح بين مظاهر الجمال في الطبيعة ، ومظاهر الحسن في المحبوب . ومن الشعراء الذين غطّت عليهم شهرة أقربائهم ، ابن عمّ الفيلسوف الشهير ابن حزم الظاهري ، وهو أبو المغيرة عبد الوهاب بن احمد بن عبد الرحمان بن محمد بن حزم ، حدثت له حكاية في قصر المنصور ، حيث غنّت الجارية العاشقة: قدم الليل عند سير النهار*** وبدا مثل نصـف سيـــوار فكأن النهار صفحة خد *** وكأن الظلام خـط عـــذار نظري قد جنى ذنوبــا*** كيف مما جنته عيني اعتذاري ولم يستطع أبو المغيرة بن حزم كتمان عواطفه، فارتجل الأبيات: كيف كيف الوصول للأقمار*** بين سمر القنا وبيض الشعار لو علمنا بأن حبك حــق*** لطلبنا الحياة منك بثــــار وإذا ما الكرام هموا بشيء *** خاطروا بالنفوس في الأخطار ولم يكن المنصور ممّن لا يلحظوا هذا الحبّ المتبادل في الأشعار، فغضب، وأراد قتل الجارية، فبكت واعتذرت بأنه حب قضاء من الله لا تملك له دفعا حينئذ ارتجل أبو المغيرة أبيانا على لسانها فرضي المنصور ووهبها له. قال : أذنبت ذنبا عظيمـــا **** فكيف منه اعتــذاري و الله قدر هــــذا **** ولم يكن باختيـــاري و العفو أحسن شــيء **** يكون عند اقتــــدار وللحصري القيرواني ننتقي مطلعه الغزلي المشهور في قصيدته التي مدح بها الأمير محمد بن طاهر صاحب مرسية ، وهو مطلع فيه رقة وعذوبة وحلاوة في المعاني وسهولة في الألفاظ ، تعلوه موسيقى متألقة قال فيه : يا ليل الصب متى غـده **** أقيام الساعة موعــده رقد السمار وأرقـــه **** أسف للبين يـــردده كلف بغزال ذي هيـف **** خوف الواشين يشرده وقد فجع الحصري بهروب زوجته مع شباب بربري ، ولعل السبب هو فارق السن ، ويستنتج ذلك من شعره ، كما يستنتج منه أن زوجته كانت جميلة ، وقد كان عاشقها لها ومحبّا لدرجة نفوق الوصف ، بل إنه نذر ألا يتزوج بعدها ، واكتفى بملك اليمين ، وسكت عن التغزل بأي من الجواري أو ذكرهن في شعره ، ومما قال في زوجته كذلك : وذهبت قواي للحدق الضعاف **** وإن كانت بسفك دمي تكـاف فكان الضعف قوتها عليـــنا*** وهل ذا الطبع إلا في السلاف خضبت الشيب أخدعهـا فقالت*** تشبهت الحمامة بالغــداف وعموما هذا بعض ما حتفظت به كتب الأدب و التاريخة فيما يخص غرض الغزل ، في الفترة اللاموية، وإلا فلا يمكن حصر كل من قيل في الغزل لأن إقبال الشعراء الأندلـسيين عليه كان واسعا ، وكبيرا بل أغـرم به كثـير من الـملوك و الوزراء و العظماء ، وقد ساعد على توسيع الشعراء في هذا الغرض شيوع مجالس اللهو و الغناء ، وإضافة إلى ما توفره البيئة الأندلسية من جمال ورقة ، فكما كان هناك الجمال الطبيعي الساحر ، كان أيضا الجمال الإنساني الفاتن ، حيث كانت الأندلس ملتقى أجناس بشرية مختلفة " كما كان كل شيء في بيئة الأندلس الجميلة يغري بالحبّ ، ويدعو إلى الغزل ومن تم لم يكن أمام القلوب الشاعرة إلا أن تنقاد لعواطفها – فأحبت وتغزلت ، ثم خلفت وراءها فيضا من شعر الغزل : ساهمت في قوله حتى النساء . 2- الـغـــزل النّســوي . وقد ظهرت ملامح جديدة لغزل جديد في هذا العصر، وتظهر فيه المرأة طالبة لا مطلوبة، راغبة لا مرغوب فيها، وسيكون في حديثنا بعض التجاوز، لأن الشاعرات في المائة الرابعة. وقد انطلقت الشاعرات في كل فنون الشعر ، وخضن في شعر الغزل بجرأة ، فكانت الشاعرة تتغزل بالرجل ، كما يتغزل بها ، وتلح في إغرائه ووصف محاسنها فكلما بعد العهد بالفتح انغمست في طلب الأندلسية وكانت أقرب إلى التحرر الذي هو في حقيقة الأمر –في رأي الشكعة – تحلل أكثر منه تحرر ، وقد اعتبر " نزار عابدين " عائشة بنت أحمد القرطبية هي من خطى نصف الخطوة الأولى نحو الغزل ، فقالت ما يشبه الغزل حين خطبها بعض الشعراء ولم تره كفءا لها . ويبدو أنه لح فقالت : أنا لبوؤة لكنني لا أرتضـي*** نفسي مناخا طول دهري من أحد ولو أنني أختار ذلك لم أجب *** كلبا وكم علقت سمعي عن أسد . غير أن أول أندلسية تقول الغزل ، هي حفصة الحجازية رائدة الشعر الغزلي النسوي الأندلسي ،فمدحها أحد العظمان وإسمه جميل ، تدفعها فيه عاطفة كانت بها اتجاهه ، فتتحايل من خلال مدحها " وتلقي عليه بغلالة من نسيج الغزل ، تشهد لها بالبراعة و الفطنة و الأناقة قالت : رأى ا بن جميل أن برى الدهر مجملا*** فكل الورى قد عمهم سبب نعمته له خلق كالخمر بعد امتزاجهـــا*** وحسن فما أحلاه من حين خلقته بوجه كمثل الشمس يدعو ببشــره *** عيونا ويغشيها بإفراط هيبتــه فهي تظهر شخصيتها كامرأة وتتمسك كل الاستمساك بكبراء المرأة الجميلة، ولها حبيب لا ينثني لعتاب، وإذا ما تركته تمادى في التيه و الخيلاء، سألها ما إذا رأت له شبيها ؟ فأجابت وهل أنت لي شبيها ؟ فقالت : لي حبيب لا ينتني لعتـــاب *** وإذا تركتــه زاد تيهـــا قال لي هل رأيت لي من شبيه *** قلت أيضا هل ترى لي شبيها ونعثر عند سعيد إسماعيل شلبي على بيتين لقمر جارية إبراهيم حجاج اللخمي ، - صاحب اشبيلية – ذات الفهم البارع و الجمال الرائع تقول : ما في المغارب من تكريم يرتجى*** إلا حليف الجود إبراهيـم إني حللت لديه بمنزل نعمـــة*** كل المنازل ما عداه ذميم فهي تريد الوصول إلى قلب سيدها – حسب الكاتب – عن طريق المدح . وتمرّ الحقب الأولى على الأدب العربي في الأندلس وجدورالغزل تضرب في باطن الأرض ، رويدا رويدا ، ويكثر الشعراء عددا لكن في غير تضخم ، وتسير معهم الشاعرات ببطء ، فلا نكاد نقع في القرنين الثالث و الرابع إلا على عدد قليل من الشاعرات ، منهن قمر ، وعائشة بنت أحمد القطبية، وحفصة بنت حمدون الحجازية . فوقتئذ تكشف الشاعرة مراس قدميها، وتتحسس الأرض التي عليها، وتختبر ردّ الفعل من قبل المجتمع الذي سوف تواجهه بفنها. هكذا دقت حفصة بصوت مسموع باب الغزل فهيأت السبيل للشاعرات بعدها ليدخلن ساحته بكل ما حوت من فنون وأساليب على سعتها وأعماقها . هذه إذن صورة عن غزل الأندلسيين في العصر الأموي ،بل جزء من صورة أو صورة غير مكتملة ، لأنني طلبت الاختصار في كثير من الأحيان ، ولأن الشعر الأندلسي – خاصة شعر هذه الفترة – ضاع منه الكثير ، ومع ذلك فيمكن القول : أن الشعراء لم يغادروا صنفا من ألوان الغزل إلا قالو فيه ، بل خطوا منطقة لم تدس من قبل إلا نادرا وهي ساحة الغزل النسوي . ويلاحظ عموما أن غزل هؤلاء ، يذكرنا كثيرا بنظيره المشرقي في كثير من خصائصه ، وخاصة في مرحلة الإمارة ، أما مع الخلافة الأموية فتشكلت خصوصيات الشعر الأندلسي الذي سيبدأ انتعاشه.و قد أرجأت الحديث عنها حتى خاتمة هذا العرض و قرنتها بمميزات شعر غزل ما بعد هذه الفترة. ثانـيا : شعـر الحبّ في القـرن الخـامس . 1- شعر الغزل في القرن الخامس . من قصص الحب التي تميزت بتفردها في موطن الأندلس شغف ابن الحداد بفتاة نصرانية ، كان يسميها نويرة واسمها جميلة ، وقد ضمن شعره فيها الكثير من الشعائر و الطقوس المسيحية ، وهذا بعض ما قاله فيها : ورأت جفوني من نويرة كاسمها * نارا تضل وكل نار ترشــد و الماء أنت وما يصبح لقابض * و النار أنت وفي الحشا تتوقد ومن شعره فيها أيضا : عـساك بحـق عيســاك * مريحـة قلـبي الشاكي فإن الحـــسن قــد ولا * ك إحـيائي وإهــلاكي وأولعــني بصلبــــان * ورهـبـان ونـســاك ولم آت الكــنائـس عـن * هـوى فـيهـن لـولاك نراى ابن الحداد هنا يستدعي المعاني المتصلة بالجو المسيحي ويبدوا محبا صادقا ، وفي حرارة وجده بمحبوبته تميز كبير على سائر الغزل الأندلسي . ويجيء شاعر عظيم في تربة الأندلس، جمع بين شخصية الشاعر و السلطان، هو المعتمد بن عباد الذي تفترض خصوصيات غزله توقفا يعكسها. لقد كان شاعرنا ميالا إلى الاستقرار في الحب و الاكتفاء بكنف محبوبة واحدة ، ودليل ذلك ، عدد النساء اللائي ذكرهن – ثلاثة – وكلهن من الجواري ، وهن سحر وجوهرة واعتماد الرميكية ، ومما قاله في سحر . عفا الله عن سحر على كل حالـة * ولا حوسبت عما بها أنا واجـد أسحر ظلمت النفس واخترت فرقتي * فجمعت أحزاني وهن شـوارد واخترت له أبياتا قالها في جوهرة تبين أنها كانت تتمنع عليه لإذكاء نار العشق قال: جوهر قـد عذّبــني *** مـنـك تمــادى الـغـضـب فزفرتي فـي صـعد *** وعــبـرتـي في صـبــب لكن المرأة التي ملكت لب المعتمد فتزوجها هي اعتماد جارية الرميك بن الحجاج، وقصة لقائهما إن المعتمد كان يتنزه مع ابن عمار على ضفاف نهر الوادي الكبير ، فأخذ بن عباد يتأمل حلقات الماء التي يهيكلها الموج فقال لصاحبه أجز" صنع الريح على الماء زرد" . فتوقف ابن عمار فقالت اعتماد، أي درع لقتال قد جمد، فأعجب بها المعتمد وبذكائها و جمالها، فتزوجها. لكن التميز عند هذا الشاعر تفرده بظاهرة التغزل بزوجته حتى بعد الزواج بهـا قـال: يا هذه كفي، فإنـي عاشـق * من لـيرد هـواي عنــها عـادل 2. حب اعتماد في الجوانح ساكن * لا الـقلب ضاق به ولا هـو راحـل من شك أني هائم بـك مـغـرم * فعـلى هـواك له عـلي دلائـــل وقال أيضا يتغزل بها ويخاطبها بكنيتها أم الربيع: تـظنّ أمّ الربيع بـنا سآمة * ألا غـفر الـله ذـنبـا تـواقــعه . و الجميل أننا نجد هذا الحب مازال مشتعلا حتى بعد مضي ثمانية وعشرين عاما على زواجهما، فقد قال فيها أبياتا وهو في طريقه إلى المغرب لطلب النجدة من يوسف بن تشافين قال: أدى النوى كـم دار فيك تلددي * وكم عقـتني عـن دار أهـيف أغـيد فما حل خل من فواد خـليلـه * محلّ اعـتماد مـن فـؤاد مـحـمـد . *غزل ولادة وابن زيدون * من أشهر قصص الحب في الأندلس وعند العرب أيضا ، أخبار ولادة وابن زيدون وقد أثبت ابن بسام بعضها، ومنها من حكاه بن زيدون نفسه " قال كنت في أيام الشباب . وغمرة التصابي هائما بغادة ، تدعى ولادة ... فلما قدر اللقاء وساعد القضاء كتبت إلي : ترقب إذا جن الظلام زيارتـــي ** فإني رأيت الليل أكـتم للســر ، وبي منك ما لو كان بالبدر ما بـدا ** و بالليل ما أدجى و بالنجم لـم يسر ويضيف أبو الوليد أنه بعدما تمكن من لقائها وعند انفصالها عنه أنشدها ارتياحا: ودع الصبر محبّ ودعـك * ذائـع مـن سـره ما اسـتودعــك يقرع السن على أن لم يـكن * زاد في تلك الخـطى إذ شـيـعـك يا أخي البدر سناء وســنا * حفظ الـلـه زمـانـا أطـلــعـك إن يطل بعدك ليلي فلكــم * بت أشـكو قـصر اللـيل معــك ... وعاش ابن زيدون ردحا من الزمن في تنعم بالحب و الهناء ، ولما غاب عنها حبيبها - وسيرا على طريقة نساء الأندلس – عبرت ولادة عن مشاعرها بحرية ، فقالت : ألا هل لنا من بعد هذا التفــرق * سـبيل فيشكو كل حب بما لقــي وقد كنت أوقات التزاور في الشتا * أبيت على جمر من الشـوق محرق ورد عليها ابن زيدون بيتن من القافية و البحر نفسهما . ولعل إقلاله من معاني الدلال عنده قال: لحى الله يوما لست فيه بملتـق * محـياك من أجـل النوى و الـتفرق وكيف يطيب العيش دون مسرة * وأي سرور للكـئيـب المـــؤرق. لكن هذا الحب سيحصل فيه بعض الحلل وسيرتخي حبل الوصال ، ولعل ذلك لان ابن زيدون طلب من جارية ولادة " عتبة " أن تعيد عليه بعض مما غنته من الشعر ، فحرك ذلك غيرة ولادة فقالت : لو كنت تنصف في الهوى ما بيننا * لـم تهو جاريـتي ولم تتـخير و تمّة أسباب أخرى ، منها منافسة الشاعر ابن عبدوس له في ولادة ، ولعل منها أيضا اطمئنان ابن زيدون لعلاقته بولادة، وتصور عدم قدرتها على التخلي عنه . وعلى كل حال فقد حصلت القطيعة ، ولم يكن من مسلك أمام ابن زيدون و الحال هذه إلا أن يكتب لمحبوبته شاكيا ومترجيا رضاءها قال : أنت معنى الضنى وسرّ الدموع * وسبيل الهوى ، وقـصد الولــوع أنت و الشمس صرتان ولكـن * لك ، عـند الغروب ، فضل الطلوع وظلّ أبو الوليد رغم النكبات و المكائد التي تنصب له، رغم كل ما تعرض له بعد نجاحه في الخروج من السجن، بعث إلى ولادة عامدا إلى وصف الأجواء التي كانت تجمعهما عند اللقاء، عل ذلك يرقق قلبها قال: إني ذكرتك بالزهراء مشتاقا * والأفق طلق ومـرأى الأرض قد راقا فالآن أحمد ما كنا لعهدكـم * سلوتـم ، و بقيــنا عشــاقــا. القصيدة رقيقة مشهورة " أودعها ما استطاع أن يودع من أسرار فنه وروعة شاعريته بين حسن إيقاع وسحر نغم " وفي هذه القصيدة تتجلى مفاتن الطبيعة معانقة لمحاسن المرأة في عزل ابن زيدون ، حتى ليصعب التمييز في بعض أشعاره بين ملامح المرأة وبين مشاهد الطبيعة . وقد وصل الأمر بابن زيدون أن يقرن الهجر بالموت "وكان الموت حاضرا في فكره دائما ، حتى أصبح خاطرا ، لا يمكن أن يمضي دون أن يدع تأثيره" يقول : تالله ، لو حلف العشــاق أنهـم * موتى من الوجد يوم البيت ما حنتوا قوم إذا هجروا من بعد ما وصلوا * ماتوا، فإن عاد من يهوونه بعثـوا والحق إن قصة حب ابن زيدون وولادة تشدّ القارئ ، لكن حسبنا ما قدمناه ويحسن ختمها هنا بقصيدته النونية التي علق عليها الشكعة ونص بان صدود ولادة عن ابن زيدون وهجره وإهماله ...." ما لبث أن تفجر ثرا عذبا مروقا سلسالا فكانت قصيدته النونية الينبوع الصافي الزلال المتفجّر بالمعاني و العواطف و الأساليب و الألفاظ و الموسيقى والإيقاع و النفس الطويل... لقد استجمع كل شاعريته وفجّر كوامن عواطفه " قال : أضحى التنائي بديلا عن تدانيــتنا * ونـاب عن طيب لقيانا تجافينا ألا ! وقد حان صبح البين صبّحـنا * حين فقام بنا للحين ناعيــنا من مبلغ الملبسـينا بانتزاحهـــم * حزنا مع الدهر لا يبلى ويبـلينا . 2 - من غزل شاعرات القرن الخامس . ويحل القرن الخامس ، وبلاد الأندلس تعيش وفرة هائلة من نوابغ الشعر ، ولقد واكبت هذه النهضة ، مساهمة هائلة على ألسنة الشاعرات ، بخلاف ما رأينا من نذره في الفترة السابقة ، وعلى سبيل المثال لا الحصر نتوقف هنا عند أبيات غزلية منتقاة لثلاث شاعرات من القرن الخامس . * أم كرم بنت المعتصم بن صمادح . لها غزل في فتى من فتيان القصر عرف بالسمار ، وباحت بأعلى صوتها فنادت الناس أن يعجبوا " على ما سبب الحب من لوعة لها " وتتغزل في فتاها بمعان وصيغ هي أكثر ما وصل إلى أسماعنا في مجال هذا البحث هي تعلن وتصرح عشقها " قالت : يامعشر الناس ألا فاعجبــوا *** مما جنته لوعة الحــب لولاه لم ينزل ببدر الدجــى **** من أفقه العلوي للتـرب حسبي بمن أهواه لو أنـــه ** فارقني تابعه قـلـبـــي * نزهون القلاعي الغرناطية . أعجب بها أبو بكر بن سعيد وكتب إليها يغار عليها من شعبيتها بعض الشعر فردت عليه تؤكد له أنه الحبيب المقدم . حللت أبا بكر محلا منعتـــه *** سواك، وهل غير الحبيب له صدري وإن كان لي كم من حبيب فإنه *** يقدّم أهل الحق حبّ أبي بكــــر * أم العلاء من واد الحجاز . قالت متغزلة : كل ما يصـدر مـنكم حـسن **** وبعـلياكم تـحلى الزمـــن ؛ تعطف العين على منـظـركم *** وبـذكراكــم تـلـــذّ الأذن من يعيش دونكم في عـمـره *** فهو في نـيل الأمـاني يـغـبن إنه استحياء مؤدّب يمشي في أردان هذا الغزل الرقيق الذي يكاد من رقته يكون شيئا أرق من الغزل ، إنه عطف وحنان وإعجاب وإطراء ومديح . خـاتـمــة إلى هنا تكتمل معالم هذا العرض وتستوي مادّته، التي خصّصت للغزل في الأندلس حتى حدود القرن الخامس، ولم يكن من الممكن أن ننصّ على كلّ ما قيل في الغزل، لأنه حظي باهتمام كبير، فجاء غزيرا، وكثرت الأعلام المشاركة فيه. ولا شك أن خريطة الغزل الأندلس في بدايتها – كما الشعر عامة – تعكس النفس المشرقي بجلاء، ولا شكّ أيضا أن الأندلسيين قد تفنّنوا في إعطاء شعرهم صورة تعكس بيئتهم الجديدة فيما بعد . ونودّ في نهاية هذا العرض أن نثير أبرز خصائص شعر الغزل الأندلسي حتى القرن الخامس ، وستكون البداية من العصر الأموي لأنّه هو الذي يمثّل المنطلق : يلاحظ أن الغزل لم يكن له شاعره الخاص ، ويلاحظ كذلك غزارة شعر الغزل ، وتذلّل الملوك والأمراء في سبيل الهوى و التّضحية بعزّة السلطان ، كما مزج الأندلسيون صورة الغزل بصورة الحرب ، ومما تجدر الإشارة إليه هنا أن معظم هذا الشعر قاله ذوو النفوذ، وقيل جلّه في الجواري ، وهو ما تنبه إليه إحسان عباس، وتوصّل إلى أن هناك حدودا صارمة تمنع المتطاولين إلى التغزل بنساء الأشراف ، ومن الخصوصيات التي تضمّنها غزل هذه الفترة حضور المرأة غير المسلمة في الشعر، وحضور المرأة مساهمة في شعر الغزل . ويرحل العصر الأموي ، وتظلّ هذه الخصائص التي اتبثناها لشعره الغزالي قائمة وملازمة له ؛ولعلّها من اختيارات البيئة قبل أن تكون اختيارات الشعراء ، لكن مع تقدّم الزمن تتّضح بيئة الشعراء التي يغترفون منها ، وهكذا رأينا ابن الحدّاد يغترف من الديانة المسيحية في غزله بغير المسلمة . واستوقفنا المعتمد في غزله بزوجته الذي دأب عليه حتى بعد مضي سنين على زواجه منها ، وشدّنا ابن زيدون بقصائده التي شغلت العالم الأندلسي و العربي ، ومما أفرزته البيئة الأندلسية كذلك الغزل النسوي الذي خاضته الشاعرات بجرأة وحرية ، كما أفرزت شعرا امتزجت فيه صورة المرأة بالطبيعة ، كما رأينا عند ابن زيدون ، وعند غيره كابن عمار ، الذي يحلو له الغزل وتحلو له المرأة في رحاب الطبيعة الجميلة فـيقول : و الروض كالحسناء كساه زهره وشيا وقلّــده نـداه جوهـرا " وابن حمديس الذي يجعل المرأة الفاتنة و الطبيعة الجميلة منى روحه " قال: طرقت و الليل ممدود الجناح *** مرحبا بالشمس في غير صـباح عادة تحمل في أجــفانـها *** سقما فيه منيـات الصـحـاح فالقضيب اهتز و البدر بـدا *** و الكثيب ارتج و العنبـر فـاح . وهناك ظاهرة تميّز بها غزل عهد الطوائف وهي ازدواجية الشاعر بين العفاف و المجون ، فالشاعر قد يتحدّث عن العفاف و التمكن من الشهوات ، ويتّخذ ذلك مذهبا ، وطبع غزل هذه الفترة ببروز ووضوح أسماء النساء اللاتي يدور حولهنّ الغزل . ولم يكن لقصة ابن زيدون وولادة إلا أن تفرز شكلا جديدا ، وتضفي طابعا جديدا على الغزل، وهو أن القصيدة عند أبي الوليد أصبحت " رسالة " تكتب لا وصفا بالمرأة ولا كلفا بها لمناجاة الذاتية؛ فقصائده " أضحى التنائي " و" إني ذكرتك بالزهراء " و " لئن قصر منك اليأس منك الأمل " وغيرها إنما هي في قالب رسائل . وهذا الفيض من الشعر الغزلي الجيّد و البيئة الأندلسية ،مثّلا فعلا منبعا مهمّا اغترف منه ابن حزم_إضافة إلى اطلاعه الواسع- في تأليف كتابه طوق الحمامة.
المصادر و المراجع :
الأدب الأندلسي موضوعاته وفنونه د.مصطفى الشكعة ، دار العلم للملايين . الأدب العربي في الأندلس د. عبد العزيز عتيق، دار النهضة العربية للطباعة و النشر، بيروت 1970. الأصول الفنية للشعر الأندلسي عصر الإمارة د. إسماعيل شلبي ، دار نهضة مصر للطبع و النشر . البيان المغرب في أخبار الأندلس و المغرب لابن عذاري المراكشي ، الجزء الثاني ، تحقيق ومراجعة ج.س ، كولان –إ. ليفي بووفسنال – دار الثقافة بيروت، لبنان . تاريخ الأدب الأندلسي عصر الطوائف و المرابطين،احسان عباس ،دار الشروق 1997 تاريخ الأدب العربي عصر سيادة قرطبة لحسان عباس الطبعة الثانية ، دار الثقافة ، بيروت ، لبنان . الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة لأبي الحسن علي بن بسام الشنترين ، القسم الأول ، المجلد الأول ، تحقيق د. إحسان عباس، دار الثقافة، بيروت، لبنان. الشعر الأندلسي في ظلال الخلافة الأموية لعبد العزيز بن عبد الله العواد الطبعة الأولى الشعر النسوي في الأندلس ، لمحمد المنتصر الريسوني ، منشورات دار مكتبة الحياة ، بيروت ، لبنان . رسائل ابن حزم الأندلسي تحقيق إحسان عباس الجزء الأول المؤسسة العربية للدراسات و النشر . نساء من الأندلس احمد خليل جمعة اليمامة للطباعة و النشر و التوزيع دمشق بيروت.