إن اللسان من نعم الله العظيمة فإنّه صغير حجمه عظيم طاعته وجرمه فمن أطلق عذبة اللسان وأهمله مرخى العنان ساقه إلى شرف جرف هار وهل يكبّ الناس في النّار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم ولا ينجو من شرّ اللسان إلا من قيّده بلجام الشرع فلا يطلقه إلا فيما ينفعه في الدنيا والآخرة فلذلك مدح الشرع الصمت قال : (الصمت حكم وقليل فاعله) و قال : (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت)
فمن كثر كلامه كثر سقطه ومن كثر سقطه كثرت ذنوبه ومن كثرت ذنوبه كانت النار أولى به وسنعدّ بعض آفات اللسان ونبدأ بأخفها إلى أغلظها:
1- الكلام في ما لا يعنيك وفضول الكلام: فاعلم أنّك إذا تكلّمت بما أنت مستغنٍ عنه ولا حاجة لك به فإنّك مضيّع به زمانك ومحاسب عليه فاستعض عنه بذكر الله وتسبيحه فإنّ المؤمن لا يكون صمته إلا فكراً ونظره إلا عبرةً ونطقه إلا ذكراً
قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه )
2- الخوض في الباطل: وهو الكلام في المعاصي كحكاية أحوال النساء ومجالس الخمر ومقامات الفسّاق وتنعّم الأغنياء وأحوالهم المكروهة فإن كل ذلك مما لا يحلّ والخوض فيه حرام قال عليه الصلام والسلام : ( إن الرجل ليتكلّم بالكلمة يضحك بها جلساءه يهوي بها أبعد من الثريّا )
3- المراء والجدال: وحدّ المراء هو كل اعتراض على كلام الغير بإظهار خلل فيه
قال عليه الصلاة والسلام : ( من ترك المراء وهو محقّ بني له بيت في أعلى الجنّة ومن ترك المراء وهو مبطل بني له بيت في ربض الجنّة )
4- الخصومة: فإنه الكلام المستكره الموحش المؤذي للقلب المنغّص للعيش المهيّج للغضب الموغر للصدر
يقال: ( إن أبغض الرّجال إلى الله الألدّ الخصم )
5- التقعّر في الكلام: بالتشدّق وتكلّف الفصاحة والتصنّع, يقال : ( إن أبغضكم إليّ وأبعدكم منّي مجلساً الثرثارون المتفيهقون المتشدّقون في الكلام )
الغناء والشعر:" فكلامهما حسنه حسن وقبيحه قبيح "
7- المزاح: فهو منهي عنه إلا قدر يسير منه كتطييب النفس وأن يقول حقاً, يقال : ( إني لأمزح ولا أقول إلا حقاً )
قال عمر رضي الله عنه " أتدرون لم سمي المزاح مزاحاً؟ قالوا: لا , قال: لأنه أزاح صاحبه عن الحقّ "
8- إفشاء السر: وهو منهي عنه يقال : ( إذا حدّث الرجل الحديث ثم التفت فهي أمانة )
9- الوعد الكاذب: قال تعالى : ( يا أيّها الذين آمنوا أوفوا بالعقود)
10- الكذب في القول واليمين: وفي البيع وفي كل شيء قال تعالى : ( إنّما يفتري الكذبَ الذين لا يؤمنون بآيات الله )
يقال : ( ويلٌ للذي يحدّث فيكذب ليضحك به القوم ويلٌ له ويلٌ له )
11- السخرية والاستهزاء:هي التنبيه على العيوب والنّقائص في الغير على وجه يضحك منه سواء بالكلام,الإشارة,الإيماء.. قال تعالى : ( يا أيّها الذين آمنوا لا يسخر قومٌ من قومٍ عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساءٌ من نساءٍ عسى أن يكنّ خيراً منهنّ )
12- الفحش والسبّ وبذاءة اللسان واللعن, يقال ( ليس المؤمن بالطّعان ولا اللّعان ولا الفاحش ولا البذيء)
13- الغيبة: قال تعالى : ( ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحبّ أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه ) وقال عليه الصلاة و السلام (كلّ المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه ) وحدّ الغيبة أن تذكر أخاك بما يكرهه لو بلغه, سواء ذكرته بنقص في بدنه أو نسبه أو في خلقه أو فعله أو في دينه حتى في ثوبه وداره وسيارته يقول الشاعر في هذا الصدد :
( لسانك لا تذكر به عورة امرىء
فكلّك عورات وللنّاس ألسن )
14- البهتان والإفك: البهتان أن تقول في أخيك ما ليس فيه أما الإفك أن تقول ما بلغك ,يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( أتدرون ما الغيبة؟ ) قالوا: الله ورسوله أعلم قال
ذكرك أخاك بما يكرهه) قيل: أرأيت إن كان في أخي ما أقوله؟ قال: ( إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهتّه )
15- النميمة: هي نقل قول الغير إلى من قيل في حقّه. قال تعالى في الذمّ لذلك الفعل: ( همّاز مشّاء بنميم )
وللسان آفات أخرى كثيرة منها:
كلام ذي اللسانين " الذي يتردد بين المتعاديين ويكلّم كل واحد منهما بكلام يوافقه " ومنها أيضا المدح " حيث أنه يؤدّي للكذب "
ومنها الحلف بغير الله يقول عليه الصلاة والسلام : ( من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت ) , ومنها أيضا الخطأ في فحوى الكلام فيما يتعلق بأمور الدين قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يقل أحدكم ما شاء الله وشئت ولكن ليقل ما شاء الله ثم شئت ) ,وعن ابن عباس رضي الله عنهما: إن أحدكم ليشرك حتى يشرك بكلبه فيقول
لولاه لسرقنا الليلة ...والأمثلة بذلك كثيرة .
فحاول أن تحرس لسانك لكي لا تقع في ما لا يحمد عقباه, فكما يقال لسانك أسد ان لم تحرسه افترسك.