موضوع: مقارنة قصة إبراهيم في القران و الكتاب المقدس الخميس أكتوبر 29, 2009 7:17 am
على مستوى الشكل:القصتان وردتا في إيجاز واضح، و إن كان النص القرآني يظهر أقل و أوجز من النص المقدس ، القصتان مـتنهما نثري.( و هذه طبيعة كل النصوص المقدسة والقران). على مستوى المضمون:القصتان تتفقان في الحدث الرئيسي؛ الذي هو ذبح ابن إبراهيم، لكن القران لم يحدد اسم الابن عكس الكتاب المقدس الذي سماه إسحاق كما انتهى النصان إلى نفس النتيجة؛ وهي عدم ذبح الابن لان الله فداه بذبح"خروف" .أصفق النصان على أن الله وعد إبراهيم بتكثير نسله و مباركته جزاء صدقه ألمتجلي في الإقدام على ذبح الابن.و قد ارجع النصان أمر الذبح إلى الله؛ و إن كان القران حدد مصدره الذي هو الرؤيا(ورؤيا الأنبياء حق). و لكي تتصف مقارتنا بنوع من الواقعية يحسن تجريد مكونات هذه القصة في كلا المصدرين؛و تقسيمها إلى عناصر علها تمسك بأيدينا حتى لا ننزلق، فنهتم بجوانب و نغفل أخرى.وما دام عملنا ذو نزعة مقارنة فلا محيدعن اعتماد مجموعة من التناءيات التي ستتجلى معلنة أو متضمنة في أطوار هذه المقارنة. الطول و الايجار: إن قصة تتعلق بحدث الذبح الذي حصل في مكان وزمان معقولين، تعرض في أسطر( القران) ،أو في صفحة(الكتاب المقدس )لاشك أنها تعرضت لشيء كبير من الإيجاز لشديد؛إلى حدّ لايمكن حذف او الاستغناء على أحد عناصرها في النصين كليهما- و بالأخص القران- فهما يقدّمان ما هو أهم و لا يذكران كل شيء،و هذا على جانب كبير من الأهمية و يجب الانتباه إليه؛لان الفائدة لا تحصل في مثل هذه النصوص دون خلفية ما دامت طبيعتها لا تنصّ أو تظهر كل شيء؛ أعني أنه لا محيد عن التأويل و التفسير ، و هو ما يعطي الفرصة لملء البياضات و الأمثلة في كلا النصين كثيرة نسوق بعضها على سبيل المثال لا الحصر. في القران{فبشرناه بغلام حليم * و لما بلغ معه السعي} فقد ذهبت فيها -الآية- أشياء كثيرة(اسم الغلام أوصافه، تفاصيل حياته قبل بلوغه السعي..) مثال آخر{ فلماّ أسلما و تله للجبين} القران هنا يطلعنا على المراد،أما التفاصيل فيتنزّه عن ذكرها؛و لا يوليها كبير عناية؛فلم يذكر حتى ما ساقه الكتاب المقدس من اصطحاب إبراهيم غلاميه،و التبكير بالخروج و الحوار الدائر بين إبراهيم و ابنــــــه، كلّ ذالك ذهب تحت ظل الأحداث الرئيسية و استتر فيه .و الحق إن الكتاب المقدس و إن كان خصّص مجالا لمثل تلك العناصر المهمة لم يعرضها بتفصيل و لم ينص على عدّة أشياء سيجتهد كل متلقّ لتلقفها و تصيدها فيما يتأتى له ( من قبيل موقف الأم، أوصاف إبراهيم، وابنه، وضعية الابن و حالته النفسية.وكيف تقبل خبر افتدائه بذبح من طرف القوم! …) فالمتلقي بقدر ما يملأ البياضات بقدر ما ستحضره أسئلة أخرى. شيء أخر القرآن لما قال{فلما أسلما و تله للجبين} لم يعبأ بالموضع ليصفه و لم يذكر المذبح و ترتيب الحطب،و آلة الذبح-لم يعلن شيء مما ذكره الكتاب المقدس.وأضرب صفحا عنه ، و قد اقترن هذا الإيجاز بالأحادية؛ فكلا النصين تظافرت أحداثهما بقصة الذبح دون تجاوزها،أعني أن أحداث النصين معا تنتظمان في سكة واحدة للوصول إلى النهاية.(البداية من الأمر بالذبح و النهاية الافتداء بالذبح) لكن الأساسي هنا أن أفعال كلا النصين ُتختار للشخصيات،لذلك فالرؤية عمودية من الله إلى عبده{ أرى في المنام أني أذبحك….افعل ما تؤمر} و في النص المقدس " خذ ابنك.."لذالك فالشخصيات" امتتالية منقادء " للأوامر التي تتلقاها و تؤمن بها. لكن السؤال حول الفضاء الذي استوعب هذه الأحداث! ففي القران لم يقدّم المكان، إطلاقا، و في النص المقدس وردت بعض الأمكنة التي حوت أفعال النص(جبل المرايا ، الغابة.الموضع...) لكنها أمكنة عارية من الوصف؛ نكرة غير محددة، (كيف هي ما فيها خصائصها؟..) و زمن الأحداث غير محدّد في القران كذلك؛ فهو يصرفنا إلى ماذا حدث و ليس إلى متى وكيف؟ و يمتنع عن التفضية.غير أن الكتاب المقدس قدم اضاءات (بكّر إبراهيم صباحا.. اليوم الثالث..) وهنا ملاحظتان الأولى، أن هذا الزمن مرتبط ببداية الطريق نحو مكان الذبح،أما الحدث الرئيسي فنعدم زمنه . الثانية أن الزمن هنا أيضا عام(اليوم الثالث .الصباح) فنحن نتساءل عن الثالث من ماذا؟ و صباح ماذا؟ فهو زمن مبهم و مشاع و مفتوح!.ينتفض عن التحديد و يفتقر إلى الوصف و عليه فالتفضية في النصين مضمرة . لكن ما هي طبيعة الشخصيات ؟.بالطبع ما يشدّ الاهتمام غيابها في القرءان؛ قتلها- (فأسرة إبراهيم و قومه و غلاماه..)- و تغييبها بل حتى النص المقدس فلم يزد أحدا على ابن إبراهيم و غلاميه و أسماء نسله المكثر. و لعل هذا له ارتباط وثيق بطبيعة النصين؛ حيث اكتفيا بالأفعال الرئيسية التي تتحرك بها الشخصيات. و لما كان القران أشد امتناعا وصرامة في مراقبة و تركيز أفعاله الرئيسية؛تقلصت شخصياته إلى اثنتان-فضلا عن اسم الجلالة-. وجائز أن نطل على عالم السرد الذي يتأثر بالتكثيف و نقيضه؛ لقد اعتمد النصان تقنية السرد الخطي فجاءت الأحداث متسلسلة لها بداية(الدعوى : الذبح) تم تألقت خطيا لتحقيق المراد من الدعوى. لعلّ عدم اشتغال العرض في النص القرآني (الحوار) بكثرة من أسرار إيجازه الشديد؛ و رد مرتين(قال يا بني إني أرى..) و( قال يا أبتي افعل ما تؤمر') لكن الكتاب المقدس اعتمد بكثير على العرض من أول القصة إلى نفاذها ،و لعل إقناع المتلقي و إضفاء الواقعية على الحدث كان دافعا كبيرا في اشتغال العرض في النص المقدس . لكن من هو هذا المتلقي؟ لاشك أنه في كلا النصين ليس شخصا واحدا أو بلد ما في أصقاع الدنيا ؛بل كل من يدين باليهودية..بيد أن القران يخاطب العالمين ،وهو ما يؤكد لنا أن هذه الخصيصة هي التي تجعل خطاب القران أعم و أوجز و أبعد عن الجزئيات التي قد تعرقل أو تسبب البطء في السير نحو افهام المتلقين او تؤسس اختلافات تضيّع الحقيقة. أو تصرف عن الهدف الرئيس أو الكلي؛ مادام الكل مستهدف لسماع الأحداث الأساسية و الكلية ومعني بها، و الكلّ أيضا مدعوّ إلى بحث تفاصيلها أنى وجدت،كما الكل مدعو لحفظ على الأقل ما يتعبد بهه من القرآن،فكانت هذه الخصائص سر يسر القرآن في الحفظ،و حفظا من التحريف الذي طال الكتب السماوية الأخرى ،