عرفت الجهة بالمغرب مسلسلا من التطور الإداري و التقسيم المجالي، مسلسل يربط بين الماضي والحاضر ، عبر تطور مكثف وتواصل دائم مع المحيط، وهكذا فإذا كانت الجهة قبل دخول المستعمر إلى المغرب غير منتظمة، أو مقننة وفق أسس وقواعد تشريعية، حيث كانت تستمد أصولها و تنظيمها من الخصوصيات الجغرافية والقبلية، فإنها ستعرف خلال فترة الحماية تنظيما جهويا، خاضع لإعتبارات أمنية وعسكرية بالدرجة الأولى بغية تشديد المراقبة على كل أجزاء التراب الوطني وإخضاعه للسيطرة الإستعمارية. أما بعد الإستقلال، فقد عرف المغرب تنظيما جهويا، لا يحمل من مواصفات الجهة إلا الإسم. وعليه فإن الحديث عن تجربة حقيقية لهذه الأخيرة لم بيدأ عمليا إلا بعد سنة 1971 بعد صدور الظهير الشريف رقم 77-71 بتاريخ 16 يونيو 1971 بشأن إحداث الجهات الإقتصادية السبعة، غير أن الأهداف الجديدة و المتجددة في ميدان إعداد التراب الوطني أدت إلى إدخال تعديلات، على القوانين المنظمة لهذه الجهات، إنطلاقا بإعطاء الفصل 94 من دستور 1992 الجهة، صفة جماعة محلية، وتواصلت بإنتخاب المجالس الجهوية، و إنتخاب أغلب أعضاء مجلس المستشارين في دجنبر 1997 من بين أعضاء المؤسسة الجهوية، مرورا بظهير 2 أبريل 1997، رقم 96-47 النتعلق بتنظيم الجهات و المرسوم رقم 246-947-2 بتاريخ 17 غشت 1997 الذي أعاد تقسيم الجهات إلى 16 جهة بدل 7 جهات، وصولا إلى الخطاب الملكي، للسادس من نونبر 2008 و الذي أعلن فيه اطلاق مسار جهوية متقدمة ومتدرجة تشمل جميع مناطق المملكة، وخطاب 3 يناير 2010 والذي على إثره تم تشكيل لجنة استشارية للجهوية، وانتهاءا بخطاب 19 مارس الأخير والذي تم فيه الإعلان عن قرب ميلاد جهوية موسعة بالمغرب.
- 16 يونيو 1971 وميلاد الجهوية بالمغرب المستقل
شكل الظهير الشريف رقم 77-71-1 الصادر بتاريخ 22 ربيع الثاني 1391 الموافق ل 16 يونيو 1971، الإطار القانوني لميلاد الجهات الاقتصادية الاستشارية، و بمقتضاه، أحدثت سبع جهات اقتصادية، عبر مجموع التراب الوطني، تضم كل جهة عددا من العمالات و الأقاليم التي اربط بينهما مجموعة من الروابط، على المستوى الإقتصادي و الإجتماعي و الثقافي و الجغرافي و السكاني، أو يحتمل أن تربط بينهما علاقات من هذا النوع، تكون كفيلة بضمان نموها و تقوية أواصر التكامل بينها.لكن المتأمل في هذا الظهير، سيكتشف بأن الجهة التي أقرها هذا الظهير، ماهي إلا مجموعة من الأقاليم ترتبط جغرافيا و اقتصاديا و اجتماعيا و ديمغرافيا بعلاقات تحفزها على النمو ولتكون كل جهة بمثابة إطار للعمل الإقتصادي، تباشر فيه الدراسات وتنجز به البرامج التنموية لتحقيق تنمية منسقة بين كافة أجزاء هذا الوطن. الشئ الذي أدى إلى تقسيم البلاد إلى سبع جهات اقتصادية وهي: الجهة الشمالية الوسطى و الجهة الوسطى و الجهة الشرقية و الجهة الوسطى الجنوبية بالإضافة إلى جهات تانسيفت و الجهة الشمالية الغربية وأخيرا الجهة الجنوبية.
تنظيما، يمكن الحديث عموما عن ثلاث مؤسسات كانت من بين إفرازات التقسيم الجهوي لظهير 1971، ويتعلق الأمربكل من المجلس الجهوي الإستشاري و الكتابة الجهوية الدائمة و المندوبيات الجهوية.
أ - المجلس الجهوي الإستشاري:
يتألف من رؤساءالمجالس الإقليمية و مجالس العمالات التابعة للجهة ومن خمسة أعضاء منتخبين عن كل مجلس من هذه المجالس، وممثلين عن الغرف المهنية، حسب الفصل4 من الظهير. تسند رئاسة المجالس الجهوية الإستشارية سنويا و بكيفية تناوبية، لرؤساء المجالس الإقليمية، ومجالس العمالات التي تشكل الجهة، أما الكتابة العامة للمجلس الجهوي الإستشاري فيمارسها لمدة سنة و بكيفية تناوبية عمال العمالات و الأقاليم المشكلة للجهة.
والجدير بالذكر أن اختصاصات المجلس الجهوي استشارية محضة، فمهمته تنحصر في ابداء الراي و المقترحات طبقا للفصل 5 من الظهير، فهو يعطي رأيه في برامج التنمية الإقتصادية و الإجتماعية، ويحاط علما بحالة تقدم تنفيد هذه البرامج.
ب – الكتابة الجهوية الدائمة:
تضم جميع المصالح الخارجية لمختلف الوزارات الممثلين على صعيد الجهة، وتعتبر جهازا دائما ومستمرا، أما اجتماعاتها، فتتم في أقاليم وعمالات الجهة سنويا بالتتابع، ويقوم عامل العمالة أو الإقليم بمهام الكتابة العامة للمجلس الجهوي الإستشاري لمدة سنة بالتناوب ويتولى ربط الصلة بين مجلس الجهة و السلطات الجهوية و المركزية.
ج - المندوبية الجهوية للتخطيط:
وهي مؤسسة عمومية تقوم نحت سلطة الوزارة المكلفة بالتخطيط و التنمية الجهوية، بتتبع مراحل إعداد المخططات التنموية التي يحددها رئيس المجلس الجهوي، ويسهر على تنفيدها باتصال دائم مع الاقاليم و العمالات التابعة للجهة.
لقد أبان التقسيم الجهوي لظهير 1971 على مجموعة من التناقضات على المستوى العملي، فقد ظهر أن مؤسسي جهة 1971، لم يقصدوا بإنشائها أ، يقيموا على المستوى الجهوي مؤسسة أو مركزا مستقلا لممارسة المسؤوليات العمومية، والحالة أن الجهة بإفتقارها للأسس القانونية و المؤسساتية و اللوجيستكية، وكذا الوسائل المالية الضرورية، سرعان ما تحولت إلى منبر للتعبير عن التظلمات و المطالب الإقليمية ، قضعف الوسائل المادية و البشرية الموضوعة رهن إشارة البنيات الجهوية ، كما أن المجالس الجهوية قلما اجتمعت، إن لم نقل عدم اجتماع بعضها قط، وحتى عندما تجتمع، فإنها لم تكن في مستوى مزاولة الإختصاصات المنوطة بها بطريقة صحيحة ، فإجتماعاتها كانت غير منتظمة، وانتقال الكتابة الجهوية الدائمة بالتناوب بين اقاليم الجهة قلما احترم، كما أن عنصر المشاركة الذي يعتبر عنصرا أساسيا لنجاح السياسة الجهوية كاد يكون منعدما، وعموما فقد شكلت هذه المجالس الحلقة الضعيفة بين المستويين الإقليمي و المركزي في الوقت الذي كانت مدعوة لأن تلعب دورا هاما من حيث التشاور و التوجيه و الحوار مع السلطة المركزية.
- ظهير1997 و إعادة ترتيب الخريطة الجهوية:
بعدما فشلت السياسة الجهوية لسنة 1971، في محو الفوارق الموجودة بين الجهات، حيث أكدت كل المؤشرات على الهيمنة المطلقة للجهتين الوسطى والشمالية الغربية، بدأت السلطات المغربية تتحرك في أعلى مستويتها للحد من هذه الهيمنة، فجاءت سنة 1984 التي مثلت مرحلة تاريخية في المسلسل الجهوي المغربي، وكانت من ممهدات التقسيم الجديد الذي سيحمله دستور 1992.
أ- محطة 1984 في المسلسل الجهوي المغربي:
جاء خطاب الملك الراحل الحسن الثاني، أمام المجلس الإستشاري للجهة الوسطى الشمالية، بفاس بتاريخ 10 أكتوبر 1984، ليكشف الغطاء بالكامل عن المشاكل التي تتخبط فيها الجهة بالمغرب،حيث بادر الملك من خلال هذا الخطاب إلى اعطاء نظرة جديدة عن الجهة، بموجبها تمنح لهذه الأخيرة جهازا تنفيذيا وتشريعيا، يسهر على تنظيم وتنفيذ سياستها الاقتصادية و الاجتماعية، معترفا في الوقت ذاته بأن عدم تحقيق جهة 1971 للأغراض المتوخاة منها، راجعة بالأساس إلى ضعف الإطار القانوني والمؤسساتي، حيث يقول الملك الراحل "... فكرت أن أضع أمام البرلمان، مشروع قانون خاص بمجالس الجهات المغربية التي تكون لها سلطتها التشريعية، وسلطتها التنفيذية الخاصة بها ..." .
لقد خلق هذا الخطاب تحولا في ميدان التنظيم الجهوي المغربي، يتجلى في تأكيده تبني خيار نظام جهوي جديد متقدم، يتوفر على الإختصاصات التشريعية و التنفيذية،حيث يقول الملك الراحل في نفس الخطاب " ... ما كنت أحلم به دائما ... هياكل جهوية لها من الإمكانات، تشريعيا، ماليا ، إداريا ما يجعلها قادرة ان تقف على رجلها، وأن تعرف مطامحها، وتقيم سلم اسبقيتها ,,, و أن تكون هي الناطقة، وهي المبرمجة، وهي المخططة و هي البانية" .
و هكذا ومنذ هذا الخطاب أصبح الحديث نصبا، عن التصور المستقبلي للتنظيم الجهوي، حتى جاء دستور 1992.
ب- الجهة جماعة محلية وفق دستور 1992.
بالرجوع إلى الجهات السبع لسنة 1971، نجد أن المشرع، لم يعطي للجهات صفة جماعات محلية حيث نص الفصل 93 من دستور 1970، على أن الجماعات المحلية بالمملكة هي العمالات و الأقاليم و الجماعات الحضرية و القروية، حيث جعل من الجماعات سلطة تقريرية، ومن العمال ممثلي الحكومة في مختلف العمالات و الأقاليم، منفذين لمققرات هذه السلطةوفي نفس إتجاه دستور 1970 جاء دستور 1971 و 1972 ، لكن الفصل 94 من دستور 1992، سيعطي للجهة صفة جماعة محلية، و هكذا منذ1992 أضحت الجهة، تتمتع بالشخصية المعنوية و الإستقلالين المالي و الإداري، كباقي الجماعات الأخرى، و قد سار على هذا النهج دستور 1996، الذي دعم بدوره الركائز الدستورية للجهة.
ج- قانون 96-47 الإطار القانوني المنظم لجهوية 1997.
لم يكن إصدار قانون 2 أبريل 1997 وليد الصدفة، بل توج مجموعة من الأعمال السياسية و القانونية حول الإصلاحات السياسية، فبدسترة الجهة عبر تصنيفها ضمن الجماعات المحلية، بموجب الفصل 100 من دستور 13 شتنبر 1996، و إصدار القانون الجهوي ل2 ابريل 1997 والتقطيع الجهوي ل 17 غشت 1997، تكون بذلك الجهة، قد وضعت لبنة أساسية في بناء صرح مؤسساتها الدستورية القانونية، الأمر الذي جعل من الجهة مؤسسة لا يمكن تجاهلها، أثناء رسم كل الخطط الإقتصادية لمشاريع التنمية الجهوية. لكن الدارس و الباحث في نتائج هذا القانون (96-47)، و بمرور سنوات عديدة على تنفيذه سيتبين له، على أن هذا القانون قد أبان و بشكل بارز ترجيح كفة السلطة التنفيدية المتمثلة في شخص والي الجهة، أو عامل العمالة أو الإقليم مركز الجهة، حيث ظلت الممارسة الجهوية، رهينة فاعلين رئيسيين هما: السلطة التنفيذية الممثلة في شخص وزير الداخلية ووالي الجهة، ثم السلطة التداولية الممثلة في المجلس الجهوي و رئيسة و الذي تبقى اختصاصاته جد محدودة.هذا على الصعيد المؤسساتي و الذي سنحاول أن نتطرق إليه بتفصيل في المحور الثاني من العرض، أما على المستوى القانوني نجد أن عدم تفعيل بعض المقتضيات المتعلقة بالقانون الجهوي راجعة بالأساس إلى عدم استيعاب مغزى ومحتوى بعض هذه المقتضيات من طرف المستشارين الجهويين بالإضاقة إلى غياب الإمكانيات البشرية ووسائل العمل لذا هذه الجهات، زد إلى ذلك غياب النصوص التنظيمية و التطبيقية للقانون الجهوي 96-47، كالنصوص التنظيمية المتعلقة بإحداث صندوق الموازنة والتنمية الجهوية، والنصوص القانونية المنظمة للأملاك و ممتلكات الجهة .
وعليه تبقى حصيلة التجربة الجهوية بالمغرب متسمة بنوع من الحيطة و الحذر، فإذا كانت مسألة إحداث الجهة، كجماعة محلية تبدو إيجابية بالنظر إلى التطور الذي عرفته اللامركزية بالمغرب، فإن هذا القانون المنظم لم يأت سوى بنوع ضيق من اللامركزية الجهوية، خصوصا وأنه لا منح المجلس الجهوي إلا سلطات محدودة، في حين ظلت اغلبها تدخل ضمن اختصاصات ممثل الدولة، ألا وهو والي الجهة أو عامل العمالة أو الإقليم مركز الجهة.
- جهوية موسعة في ظل تنظيم جهوي عاجز عن تحقيق لامركزية حقيقية:
1- معوقات مؤسساتية و قانونية حدت من نجاح التنظيم الجهوي الحالي:
إن ما ميز التقسيم الجهوي الحالي كونه حاول خلق توازن واضح بين الجهات بناءا على معطيات مستخلصة من تجربة 1971، لكن القارئ المتصفح للتجربة الجهوية التي أرسى قواعدها القانون رقم 96-47 و الذي شكل نقطة تحول في مسار الجهويةإذ أعطها القانون المذكور انطلاقتها كجماعة محلية تتمتع بالشخصية المعنوية و الإستقلال المالي، لكن تأكد وبعد مرور فترة ليست بالقصيرة على إحداثها على محدودية آثارها، بحيث لم تساهم تلك الوحدات الترابية بشكل واضح في تحقيق الأهداف المرجوة، ويرجع ذلك لمجموعة من الإختلالات التي طبعت التجربة الجهوية، وأبانت بما لايدع مجالا للشك على أن هناك معوقات قللت من نتائجها، فعلى سبيل المثال، في المجال القانوني و الذي هو المحور الرئيسي في هذا العرض،فيتبين أن التعديلات التي الدستورية التي لسنوات 1992 و1997 والتي تهم الجهة على الخصوص، آثارها بقيت محدودة ، فمن خلال جرد حصيلة التجربة الجهوية الإدارية على المستوى القانوني، يتضح بروز مجموعة من الإختلالات من أهمها:
رغم أن دستور 1996 أقر بدستورية الجهة كجماعة ترابية، لكنه لم يتدخل لتحديد اختصاصاتها و ضبطها، ولا الموارد المستحقة لها، تاركا كل ذلك للقانون لمعالجتها.
غياب النصوص القانونية المنظمة لتدخل الجهة في مجال الشأن العام المحلي.
عدم استيعاب المغزى و المضمون لبعض القوانين المتعلقة بالجهة و تفعيلها من طرف المستشارين الجهويين، لعدم توفرهم على ثقافة قانونية و تجربة ميدانية.
كما أن التجربة الجهوية، أثبت من خلال النصوص القانونية لها، عن ترجيح كفة السلطة التنفيذية المتمثلة في والي الجهة أو عامل العمالة أو الإقليم مركز الجهة، عن السلطة المنتخبة. فالقانون المنظم للجهة خول مهمة تنفيذ مقررات المجلس لممثل السلطة التنفيذية، بدل رئيس السلطة التمثيلية /رئيس مجلس الجهة، وهذا في حد ذاته يعد عائقا في نسق بناء نظام اللامركزية الجهوية.
بالإضافة الى المعيقات القانونية و المؤسساتية نجد معيقات و اختلالات اخرى حدت من نجاح هذه التجربة، فهناك إختلالات جغرافية و ديمغرافية و اقتصادية و اجتماعية و حتى كذلك على المستوى التطبيقي للقانون 96-47 الشئ الذي جعل المغرب يفكر من جديد في تنظيم جهوي آخر قادر على تجاوز كل العراقيل، فكانت محطة 3 يناير بداية الحديث عن جهوية موسعة بالمغرب.
2- تنظيم جهوي جديد شكلت خطابات الملك أولى إرهاصاته.
بعدما عجز التنظيم الجهوي لسنة 1997 عن محو الفوارق بين الجهات، و بعدما أبان القانون المنظم للجهات رقم 96-47 عن محدودية نتائجه، وكنتيجة لتفاقم المشاكل على التراب الوطني، تيقن الجميع بأن الخروج من كل هذه المشاكل، لن يتأتى إلا عن طريق تنظيم جهوي يعطي للجهات امتيازات تجعلها قادرة على تنمية ترابها. هذا التنظيم الذي يجب أن يأخد بعين الإعتبار كل الخصوصيات المميزة لمجمل التراب الوطني و إعطاء صلاحيات أوسع لمثليها المنتخبين بإعتبارهم يمثلون صوت الشعب، بدل دوره المحدود في الإستشارة. بوادر هذا التنظيم بدأت تظهر في الأفق ابتداءا من الخطاب الملكي ل 3 يناير 2010، بمناسبة تنصيب اللجنة الإستشارية للجهوية الموسعة، حيث يقول الملك محمد السادس " و من هنا نحث اللجنة على الإنكباب الجاد على الإشكالات الحقيقية المطروحة، في تضافر للجهود، و الاجتهاد الخلاق لتقديم مقترحات عملية و قابلة للتطبيق، و يظل طموحنا الوطني، الإرتقاء من جهوية ناشئة الى جهوية متقدمة، ذات جوهر ديمقراطي و تنموي " ، جهوية موسعة بدأت معالمها التنظيمية و القانونية تظهر خاصة بعد الخطاب الملكي ل 9 مارس 2011 و بعد أن رفعت اللجنة الاستشارية تقريرها إلى الملك حيث يقول في هذا الخطاب " لقد قررنا، في نطاق الإصلاح المؤسسي الشامل، الذي عملنا على توفير مقوماته، منذ اعتلائنا العرش، أن يقوم التكريس الدستوري للجهوية، على توجهات أساسية، من بينها :
تخويل الجهة المكانة الجديرة بها في الدستور، ضمن الجماعات الترابية، وذلك في نطاق وحدة الدولة والوطن والتراب، ومتطلبات التوازن، والتضامن الوطني مع الجهات، وفيما بينها .
التنصيص على انتخاب المجالس الجهوية بالاقتراع العام المباشر، وعلى التدبير الديمقراطي لشؤونها.
تخويل رؤساء المجالس الجهوية سلطة تنفيذ مقرراتها، بدل العمال والولاة.
تعزيز مشاركة المرأة في تدبير الشأن الجهوي خاصة، وفي الحقوق السياسية عامة؛ وذلك بالتنصيص القانوني على تيسير ولوجها للمهام الانتخابية.
إعادة النظر في تركيبة وصلاحيات مجلس المستشارين، في اتجاه تكريس تمثيليته الترابية للجهات." .
خلاصة القول:
لقد مرت الجهة المغربية بمراحل متعددة، و بتنظيمات مختلفة، عرفت انطلاقتها من التقسيمات القبلية وما خلفته من نزاعات بين القبائل حول من له الحق في استغلال خيرات هذا المجال، لتأتي فترة الاستعمار و التي أخلت وبشكل كبير بتوازن ترابنا الوطني، بتقسيم المغرب إلى مغربين مغرب نافع ومغرب غير نافع عطوب بسبب سياستها التي كانت ترمي إلى إحكام السيطرة على كل التراب الوطني. مرورا بتجربة 1971 والتنظيم الجهوي الحالي و المعمول به منذ سنة 1997 و الذي أبان بدوره عن إختلالات و مشاكل حدت من نجاح هذه التجربة.
أمام هذا الفشل كان لزاما التفكير بجدية في تنظيم جهوي قادر على جعل المغرب يتبوأ مكانة عالية على مستوى التنمية الجهوية، فإذا كان الحديث حاليا منصبا عن قرب تطبيق جهوية موسعة تعطي للجهة صلاحيات واسعة، فلابد من إعداد أرضية و مناخ سليم لنجاح هذه التجربة، فلا يكفي تخويل هذه المناطق امتيازات جديدة، دون تعبئة شاملة من لدن الدولة و الأحزاب والمؤسسات التعليمية و فعالية المجتمع المدني...،فنجاحها رهين بمدى وعي المجتمع، بكل الإشكاليات التي يعانيها المجال المغربي، في الأخير يمكن القول بأن الزمن هو الوحيد الكفيل بالإجابة عن نجاح أو فشل تجربة الجهوية الموسعة بالمغرب.