عودة إلى السلطة التربوية
تعد السلطة التربوية من أهم المشتبكات التي تلتقي فيها جل الإشكاليات التربوية الجوهرية منها والثانوية, لدا فإن محاولة الوقوف على ماهية هدا المفهوم وتجلياته الواقعية انطلاقا من زوايا نفسية واجتماعية تربوية أمر سيزيل الغبار عن الديناميتات الخفية التي تحرك العلاقات التربوية بين الكبار والصغار سواء داخل إطار الأسرة أو المجتمع أو المؤسسات التربوية التي تقنن هده العلاقات وتحافظ على استمراريتها وليس من الصعب إعطاء تعريف للسلطة التربوية كما تتجلى لنا من خلال الملاحظات اليومية على أنها فرض قوالب من المعاملات ونماذج من التفكير بطريقة اشد أو اقل صرامة ويمكننا أن نؤكد على أنها ملازمة لكل عملية تنشئوية بحيث تبدو خلال المراحل الأولى للطفولة إحدى الآليات الضرورية لتهذيب غرائز الطفل وضبطها حتى لا تنزلق إلى الانحراف, وتنشأ مع تكريس هده الآليات كثير من الدفاعات النفسية وأساليب للتكيف مع متطلبات الواقع الصغير والكبير ومع المراهقة تنشا رغبة عارمة في تحقيق الذات يتخلص خلالها الطفل الكبير عن صنف من السلطة التربوية حيث تترك له مجالات للتعبير عن حرية الذات , الا انه لم يعد دلك الإنسان البريء من أفعاله
اد أن المسؤولية تتعاظم مع نمو الضمير الجمعي الذي يحل محل نواهي الأبوين وعندئذ يكون بإمكان السلطة الاجتماعية أن تهدب كل تصرف منحرف وتعاقب كل سلوك جنائي أو إجرامي , وتعد مرحلة عنيفة تتسم بالرغبة في طلب المزيد من الحريات وكل شيء يثير في نفس المراهق الإحساس بالقلق الذي يصبح العنصر المشترك الذي تدور حوله الصدقات وتتألف حوله القلوب ويلاحظ في الأوساط المغربية رغبة في النفور من عالم الكبار وخلق جو من جماعات الأصدقاء في نفس السن ويكون الإعلاء هنا متجسدا في الميل إما إلى العبادة حيث يحفز الشعور الديني لدى هؤلاء أو ممارسة بعض الرياضات التي ترجع الثقة إلى النفوس وتبرز الذوات , وكثير ما يكون الأمر على عكس هدا اد تتدخل عوامل الصحبة السيئة أو ثاتير بيئة تحفز على الانحراف كالتي تجر إلى عالم الإدمان أو الجناية أو الإجرام أحيانا ولقد دلت بعض الدراسات على أن السلطة التربوية الأولى لها عوقب على مستقبل الفرد وخاصة على بناء شخصيته وطبائعه فان كانت قاسية أدت إلى عكس ما يتوخاه الكبار اد تفتح المجال لضروب من الانحرافات لا تطاق وان كانت أكثر تحررا نتج عنها نفس الشئ اد أن الفرد لا يرسم لنفسه حدود ولا يفرق بين أنانيته والأخر حيت يرجح كل شئ إلى الإشباع الفوري دون الاخد بعين الاعتبار لوجود الغير وعلى هدا الأساس فان السلطة المعتدلة والمرنة هي التي تكون درجة تدخلها من حيث الشدة أو التسامح متساوية لدرجة استنكار السلوك الدي يأتي به الطفل وهي التي تحاكم التصرفات انطلاقا من خصوصية الموقف واعتبارا للنية الشخصية ولقد اهتم المحللون النفسانيون بقضايا السلطة التربوية وخاصة في علاقتها بسمات الشخصية وديناميات المشاعر الكامنة ومنهم من درس ابعاد السلطة الأبوية في صلتها ببنية السلطة الاجتماعية اعتمادا على مقولة التبعية النفسية التي تدعم الفعل التربوي وتقنن المشروعية التي تكرس خضوع الصغار للكبار ومن ناحية أخرى تكون ممارسة السلطة التربوية بكل قساوتها عند بعض المربين عرضا سافرا للعضلات الجسمية التي لا تغدو ان تكون تعويضا لنقص سافر في المعلومات المعرفية أو التكوين المهني
إن السلطة التربوية لا يجب ا ن تكون قناع مزيفا يحجب حقيقتها الجوهرية التي تقتضي إيصال حقائق علمية للمتعلمين ومحاولة خلق جو دراسي يبعث على احترام الواجبات مع جعل العمل شعارا أخلاقيا يصل من ورائه المرء إلى تحقيق ذاته
المصدر مجلة التربية والتعليم
بقلم محمد الكير