تبتدئ قصتي وقصتك مع مركزيتنا عند أسماء أشخاص وأماكن وصور وأحداث عالقة في الذهن ، نستذكرها كلما رددنا القهقرى إلى الخلف مستحضرين ذكريات :
- عاوش عولخ آدكنخ ، وراء فرشة بيع " الماكانات " للمرحوم جنيح في سوقنا الأسبوعي المحادي لمركزيتنا ، والوديعة " ليزا " ، و القوي " بوبي ،" ودرة " ليزا " الكلبة " بيتا " ، والصغير " تشيكو" مع توأمه " تشيكا " ، والبئر المالح عند مدخل السوق ، وقصة " بيتا " معها ...
كذلك كله كان مجتمع الكلاب الذي تعايشنا معه في أولى السنوات بمركزيتنا عند دار المعلم الشريف وفيها ...
وعند عمق أفق التذكر تحضرك أساليب عد الأجزاء والآحاد والعشرات والمئات والآلاف عند المتألق البيداغوجي عبد الخالق ، وعند " آويتد تبيتست آمناصف " ، مع الأنيقة عائشة ، مرورا بسعيدة ومليكة ونجاة ، و معاناة جدول الضرب مع إدريس وفرنسية يوسف والمرحوم الوكيلي ومخطط ألهري ، وملاهي أوسار وتغيبات بهرير وفلقات معلم الخامس السيد المفضل ، ومراهقة (والجيران) من عبد السلام لجارته المعلمة أمينة ، ومطعم " باحا " وسبابه (والله أيماك آرد شلخخ) ، أو شلحة الحسيمي " تفعليت أنيماك آرتزال سي دامن " ، وزلايف فاضمة في المطعم العدسي المقاروني الحليبي السرديني ، وأرباع خبز " أبطال " و " بوجوع " و " آراجات آراجات " مع " عسكر جهنم "، وفلسطين ولبنان وغيرها من الذكريات التي طبعت شخصياتنا وشكلت صوى علاقات الانسجام أو التنافر فيما بيننا...
ندخل اليوم حرم المجموعة المركزية ولواعج الصبا تحملنا إلى فناءاتها وفضاءاتها التي كانت مرتعا لصبانا ومنشدا لأناشيد صبانا وأولى تشخيصاتنا لأدوار مسرحيات الصحراء وملاحم صوت الحسانينا وروائع حبيب الجماهير صديق الملايين واحنا أطفال كل الدنيا طالبين عيشة راضية هانية وحسناو ياليلة حسناو يا جارتي وألفبائيات تعليمنا وتهجينا واسترقامنا واستئلفبابنا لألفبائيات الفرنسية ، وغير ذلك من بدايات مشوارنا السوسيو- مدرسي، نستحضر أثناءها كل صغيرة وكبيرة طبعتنا بطبعها فسكنتنا وسكناها بمشاعر الشوق والحنين ، والشفقة والحسرة أحيانا كثيرة ، وبمشاعر الحب والعشق والكراهية والمقت أحيانا أخرى...
فتسرح المخيلة مسترجعة كل الأصوات التي احتواها فضاء مؤسستنا ومحيطها وكل الصور وجميع الأحداث ؛ لتحضرك كلمات " أبطال " وصور الركض وحركات " الجرانة " في الرياضة ، وتسلقات حوائط المؤسسة ذهابا أو عودة من خلاء شعبة الجبل المحادي لدار أيت بعوام ، أو من أو إلى دار الشريف ، ومصرع تشيكا فتشيكو عند رحبة الزرع ، ومطاردة بوبي القوي الذكي لأيام فاقتناصه عند مدخل " الكرنة " ثم استسلامه عند أدراج القروية حاملا شكواه إلى من دبر اغتيال أمنه وطفولته وشبابه وكهولته مع صغار أحبوه وأحبهم ، وحماهم وأضحكهم بعدما كان مخيفا لهم قبل حصول التعارف والألفة بتزكية من محبوبنا " الشريف "...
لا تكاد تطأ قدمك رقعة من بقاع المركزية إلا وضمتك إليها شوقا إليك ؛ إلى أرجل منك كانت بها لطيفة وإلى أيد منك كانت رحيمة بزهور حدائقها في شرفة كل حجرة من حجراتها ، كيف لا وقد كانت لك محضنا فغادرتها حجيما واستضافتك حجما ، ومعك حجيم آخر اصطحبته معك فضنتك أنت ومنحتك كل الحب والرعاية فابتسمت مع بسمتك التي ابتسمت لها...
حتى النوافذ الخضراء البلاستيكية الملولبة تستحث فيك النظر إليها وملامستها شوقا إليك لما كنت آخر من أغلقها بإذن من معلمك أو معلمتك فغادرت وتركتها تنتظر فتحك المبين، والحيطان وعباراتها صارت مقروءة مفهومة بعدما كانت مستشكلة في مرحلة من مراحل الصبا الشيقة ، وبورك أن حفظت منذ عقدين فلم تمحى بالصباغة ولا بعوامل الزمن لتبقى خالدة على الأحجار وعلى الأذهان:
- أكثر الأعمال انتاجا ما كان ثمرة يدين تعملان في مرح..
- التعاون المدرسي :تعاونية القسم هي المنطلق الأساسي لكل تعاون شامل وهادف
- جميل أن يموت الإنسان من أجل وطنه وأجمل منه أن يعيش لأجله
آمنت بعد هذه المراجعة بالزيارة والتذكر بأسباب عشقنا للوطن وللتعاون وللعمل المرح ، ولما استبأرت - حجما- صور العلم الوطني والقدس وخريطة المغرب ، أيقنت سبب تشبثنا بالقدس وتمسكنا بوحدتنا الترابية وعشقنا للعلم المغربي ، وقد تعزز فينا كل ذلك عند كل سنة في شهر فبراير كاملا حيث كنا ننغمس فرادى وجماعات - بتأطير من معلمينا ومعلماتنا – في الإعداد لحفلة عيد عرشنا المجيد ، وكيف لا تكون كذلك وفيها قرأنا " المدرسة قديما " وتعلمنا حكمة الإنسان في السيطرة على قوة الأسد في نص " النجار والأسد "، وأنشدنا بلغة العجم - لنعلم قيمة الزمن - " لو فاكتور نوبا باسي نو باسوغا جامي لاندي ماغدي..." ، " ما تا سا مون تون سون "...
لقد صرت متأكدا أننا كنا هناك بمحضن احتضننا وأشربنا لبن الوطنية وأكلنا فيه تمر تعاون بلاد الرسول الكريم مع مدرستنا...
وعندما تسلمك عيناك وترحل بك رجلاك إلى الحجرات التي كنا نصنفها حسب المستويات ؛ فهذه للتحضيري وتلك للثاني وبجوارها قاعة الثالث وقاعة الدرج للرابع وقاعة " آزرو" - أقدم القاعات الإسمنتية وأولاها - للمستوى الخامس ، وقد تجد من يسميها قاعة المعلم الأصلع (سي مصطفى)....
تقسيمات وتفريعات تتغير جزئيا أو كليا من سنة دراسية إلى أخرى ومن جيل إلى آخر ، فهاذي القاعة الجديدة التي عاصرنا إنشاءها منذ تثبيث قاعدتها الأولى ، ومنعنا " باحا " من الصعود إليها - خشية تعليم آثار أقدامنا الصغيرة عليها - تتحول اليوم إلى قاعة متعددة الاختصاصات مزودة بحواسيب ينتظر وصلها بالشبكة العنكبوتية ...
وهذا المدور الذي كنا نحوم حوله متوسطا رايتنا الجميلة وقد سوي بالأرض...
وهذي بقايا دار بعوام المجاور لملعب "الفولي " ، زمن المرحوم الوكيلي ، قد ضم إلى ساحة المؤسسة وتلك الأشجار ؛ أشجار تامايت الوارفة وقد شذبت حتى لاحت ساحتنا كبيرة مشمسة تسرح العين بين أركانها وتتعثر الأرجل بين حوافر سواقي الماء الصغيرة التي أقيمت في فترة احتضان المركزية لمجموعة جيلنا..
ناهيك عن قاعتنا في " التحضيري " مع معلمنا الأول " الشريف " التي تحولت مؤخرا إلى قاعة للتعليم الأولي في إطار تفعيل مرامي الميثاق الوطني للتربية والتكوين وإعطاء نفس جديد في العمل صحبة حقيبة بيداغوجية تحملها المربية رجاء...
تلك كانت مجموعتنا وستظل ، لأنها منبع أولى كتاباتنا الإنشائية ومنجز بدايات عملياتنا الرياضية ومنطق ترنيماتنا الغنائية...
كل شيء حينها كان كبيرا في عيوننا ونحن نلجها صغارا واليوم ترى كل شيء فيها صغيرا ونحن نلجها كبارا بإحساس وانتعاش ؛ هو بنكهة الأبوة والأستاذية...
فليس عجبا أن لا تدرك ذلك ولم تكن لك أنت محضنا عندما حضنتك الزاوية السعيدة ، كما لم يكن لنا عجبا أن ما كان إدارتنا الترابية كانت لآبائنا قسما أوليا وحيدا علموا فيه مذ أول عهدهم بالقراءة – كما يقول أبي برهانا على سبقه لنا بالتعلم - " المعلم يعلمنا الكتابة والقراءة " ...
فسبحان الله على نعمه الصغيرة والكبيرة والحمد له والشكر أن خرجناها تلامذة يتعلمون الحروف والأرقام ، فأمكننا من دخولها كبارا ونحن نعلم صغارا قيما وحكما يشمون بها طفولتهم ليتذكرونا في سطر أو كلمة من سوسيونوستالجياهم عن مدارسهم وكتاتيبهم...