الحرمان 3

الجزء الثالث

بعد مضي ربع ساعة تقريبا عاد رضوان إلى الفصل استأذن ودخل، جلس في مقعده، أثار دخوله انتباه التلاميذ الذين أشاحوا وجوههم عن الأستاذ، ورمقوا زميلهم بنظرات استفهام وتساؤل، إنه الفضول الممزوج بالخوف والترقب...

دق الجرس وخرج التلاميذ للاستراحة، أما رضوان فقد أسنده مصطفى وخرجا خارج أسوار الثانوية. جلسا معا تحت ظل العمارة المقابلة للمؤسسة، نظر كل منهما للآخر محاولا معرفة ما يجول في خاطره، فجأة انفجرا بالضحك، إنهما يضحكان على وضعهما، والقدر الذي جمعهما...مع ذلك فكل منهما يحب الآخر حبا كبيرا صادقا طاهرا...

نظر مصطفى تجاه باب المؤسسة، وواصل خدش الأرض بعصا صغيرة يمسكها بين يديه، متسائلا:

- ما العمل الآن ؟ حان وقت الدخول إلى الفصل.

وقف رضوان على قدميه، وودع زميله، قائلا:

- أنا لا رغبة لي في الدخول إلى الفصل، بل لا أستطيع تحمل الجوع ساعتين أخريين، سأذهب للبحث عن وسيلة آكل بها شيئا يقيم أودي، أما أنت فادخل إلى الفصل وسجل المحاضرة، وفي المساء نلتقي في "الدروتوار" لتعيد شرحها لي... اتفقنا...

حاول مصطفى الاعتراض، متعللا بمجموعة من الأسباب، بهدف البقاء طبعا إلى جانبه ومساعدته، فضميره يشعره بذلك، لكن رضوان رفض وألح عليه الدخول إلى الفصل، فما كان من مصطفى إلا أن أجابه إلى ذلك.

افترق الزميلان على أمل اللقاء وقت الغذاء على نفس الطاولة...

انطلق رضوان بدون اتجاه أو هدف محدد، فالصداع الشديد يهوي على رأسه كالمطارق دون هوادة، وداخل أحشائه شيء يشبه الغول ينهش معدته وأمعاءه، بلا شفقة. خانته قواه وشعر بالوهن يكبله بقيود ثقيلة مرهقة تشده إلى الأرض... رباه أكل هذا سببه الجوع؟ أجل... إن الجوع يبدو الآن في خيال رضوان وكأنه وحش هائل رابض في جوفه الخاوي... طاغية جبار لا يرحم... لا يقاس طغيانه بتعسف الأستاذ، ولا بتعنت الحارس العام للداخلية، "المغبون" كما يحبون نعته، ذلك الرجل البدين، المقرف، ثقيل الظل، وهو يدهم الدروتوارات بحثا عن شيء مسروق يتهم فيه أحدهم...لكن شيئا مع ذلك في أعماقه يحرضه ويدفعه للتشبث بالحياة، والتمسك بأهدابها، ومقاومة معاول الهدم والفناء حتى آخر لحظة، إنه دافع فطري جبار أقوى سلطانا من أي شيء...

شامان

تحية أدبية إلى الناقد والفاحص همس الجنوب على ما أنعمت علينا به من ملاحظات وانتقادات نابعة عن عين قارئة ومتذوقة، وهذا أطلبه على الدوام من الزملاء وكل المتدخلين، الحرص كل الحرص على النقد البناء لا المبالغة في الإطراء والإعجاب، أو كيل النقد والتجريح بدون أي سبب...
أصديقي همس لك الحق في الملاحظة والانتقاد، لكن هل لي الحق في الرد ؟
إخال أن الإجابة نعم، أليس كذلك، إن محاولتي هذه في الحقيقة التي وسمتها بالحرمان لمزيد من الإيضاح فقط كتبت منذ سنوات خلت، وظلت رهين المحبسين إلى أن اطلع عليها بعض الأصدقاء هي وأعمال أخرى لم يكتب لها بعد الظهور، ونصوحوني بنشرها قصد الإفادة والاستفادة، فما كان مني إلا أن أجبتهم بالإيجاب بعد أخذ ورد، لذا أنا أتفق معك على أن هذا العمل فيه مجموعة من العيوب واعترته الكثير من الهنات إلا أني مع ذلك فضلت الاحتفاظ به كما هو دون زيادة أو نقصان، لأن الأخطاء والعيوب في بعض الأحيان تضفي على العمل مصداقية أكبر وتحيطه بهالة من الإكبار والإجلال خاصة في عين صاحبه، لعلك يا همس لا تدري مدى الفرحة التي أحسست بها، بعد الانتقادات والملاحظات التي تلقيتها منكم ومن القراء الأعزاء...إنه لشرف عظيم لي كوني أثرت فيكم وجعلتكم تعلقون وتعبرون عما اختلج صدوركم من مشاعر وأحاسيس وأنتم تقرأون هذا العمل المتواضع، لاشك أن كل فرد منك وجد نفسه في جزء من هذه الأجزاء الثلاثة أو على الأقل أحس أن هناك تقاربا وتشابها، وهذا هو دور العمل الأدبي بصفة عامة.
أراك يا همس ركزت على عنوان النص وعلاقته بعنوان النص، إذ العنوان بمثابة الرأس من الجسد صحيح، لكن أيقن أبا ريان أن لهذا العنوان قصة أخرى قد ترى النور قريبا...
شامان

أخي شامان أقف اجلالا و اكراما لتعبيرك عن محنة أطر تمزموط قبل وصولها إلى ما هي عليه و التي يصدق فيها قول الشاعر:
و ما نيل العلا بالتمني و لكن تِؤخذ الدنيا غلابا
إن الأجزاء الثلاثة بعنوانها تجسد تيمة أساسية و مكون رئيسي في مكونات من أسعفه الحظ من شباب تمزموط بمتابعة دراستهم بالسلك الإعدادي و الثانوي. و ربي إنها أقسى مرحلة مروا بها في حياتهم (جوع و برد و شجار و غربة...) فأكدز و ورزازات مدلول مباشر للحرمان في مخيلتهم.
أما من الناحية الأدبية لن أكون ناقدا جيدا و لكن أشاطر أبا ريان فيما يخص الجزء الثالث الذي جاء أقل مستوى من الجزئين السابقين. غلائك في السرد و الوصف، تغييبك للتيمات الأخرى المرتبطة بالحرمان. أما فيما يتعلق بالعنوان فأظن أنه مناسب إذا انفتحت أكثر على محيطك و جسدت من خلاله الحرمان.
أما فيما يتعلق بالجنس الذي صنفت فيه عملك فأتفق معك فيه و لكن يجب أن يكون شاملا لمراحل حياتك السابقة من خلال استرجاع أحداث ماضية بين كل حدث و حدث في المرحلة التي تجسدها أحداث النص.
أتمنى أن أكون قد أصبت في قراءة إبداعك الأدبي و وفقت في تلك الملاحظات. و أتمنى أن تكمل هذا العمل في سيرتك الذاثية

تحية ثقافية الى جميع المتدخلين
تحية حب وتقدير الى شامان
فكما قلت وقال المتدخلون نحن جزء من سيرتك هذه المعنونة ب " الحرمان "
أبدعت وأحسنت
مزيدا من التألق

سلام
شكرا لك على تجشمك عناء القراءة

ما قصدك بذلك يا شامان ؟

خروج البطل عن اسوار الثانوية نفور وعدم ارتياح داخلها ؛ملازمة مصطفى وحده احساس بالغربة وعدم التأقلم مع الوسط الجديد .اختيار اسم مصطفى له دلالات تنزع نحو الانتقاء و الاختيار و الارتضاء .تأكد رغبة مصطفى عن مناخ المدرسة في انفلاته من صديقه و تركه يحضر الحصة بدلا منه . و ينص الكاتب بفنية بديعة عن تشابه حال الصديقين بدليل عدم قدرة استغناء مصطفى عن البطل درء للوحدة و جلبا للمواساة. انطلاق رضوان دون وجهة دليل آخر على التبه و كره المكان و على الرغبة في الرحيل و الهجرة و التحرر؛وحضور تيمة التجبر ممثلة في الجوع كشيء مجرد شبه بشيء مادي محسوس هو الحارس العام و الاستاذ لجامع القساوة و الفظاظة في كل/قساوة مزدوجة داخلية في الامعاء /وخارجية تطال الجسد، واستحضار الحارس العام يعكس فرار رضوان من جحيم الى جيم.فكلا الأمران أحلاهما مر بالنسبة له - الذهاب الى المدرسة و العودة الى الداخلية =الجحيم
تحية خاصة على هذا الصدى الذي تقاسمنا معك معضا منه،و ان كنت دائما انوه الى استعمال لغة فنية و ايحائية لا تسلم المعنى الا بعد مكابدة و أخذ ورد،حتى ولو استدعى الامر التدخل و اعادة الكتابة و المراجعة فلك ان تحتفض بالمضمون القديم.
و ان كنت اتفق مع همس في ملاحظاته فاني اختلف معه في اعتيار اسم البطل و الاحتكام إليه هو الحاسم في التجنيس فالسيرة الذاتية اصبحت تنحى منحى المواربة فيكفي ان تكون الاحدات مسترجعة وواقعية و يكون السارد = البطل = المؤلف