الحرمان 2

الجزء الثاني...
انطلقت الحصة وطفق الأستاذ في عملية الشرح بينما رضوان ومصطفى لما يزالا بعد تحت تأثير الألم الشديد الذي خلفته الضربة الموجعة على وجنتيهما المتوردتين, يتقيان نظرات زملائهم المصوبة تجاههم كسهام مسمومة.

- درسنا اليوم عن عيوب الزوجين...

ضحك رضوان في قرارة نفسه لما سمع العنوان، لكنه لم يجرؤ على إظهار ذلك، خوفا من تلقي ضربة أخرى هو في غنى عنها، متسائلا في الوقت نفسه، كيف يكون للزوجين عيوب، ألم ينتق كل واحد منهما الآخر بعناية، وبعد أخذ ورد ؟

استرسل الأستاذ في الشرح، فجأة أحس رضوان بألم شديد في بطنه مصحوب بصوت يشبه نقيق الضفادع، بدأ يتلوى كحية تتلظى بحر الرمال، ربت مصطفى على كتفه محاولا معرفة ما به، لكن رضوان رمقه بنظرة ملؤها الغيظ والإنكار، قائلا:

- إنه الجوع مرة أخرى أيها الغبي، تتصرف وكأنك لا تعرفني...

مرت نصف ساعة وحدة الألم تزداد، عيناه لا تبصران شيئا، وكأن عليهما غشاوة، أحس مصطفى بما يعانيه زميله، رق لحاله وفكر في مساعدته، لكن كيف وهو مثله مكسور الجناح؟ لوح بيده للأستاذ لافتا نظره لحال زميله المسكين...

وبنوع من اللامبالاة وصوت غليظ ينم عن جفاء وفظاظة استفسر الأستاذ:

- آشْ كَايِنْ ؟

- رضوان يحس بألم في بطنه ويود الخروج إلى المرحاض.

- كْلَسْ الأرض بَقِي كَاعْ ما سَخَنْتِ بْلاصْتِك أُوبْغِتِ تَخْرج...كُونْ تَحْشَم شْوِي...

اغتنم الأستاذ الفرصة واتجه نحو رضوان، فسأله:

- أنت أذكر لنا عيبا من عيوب الزوجين.

- تمتم رضوان تلكأ، حاول الكلام لكنه لم يقوَ على ذلك، ظل يحملق... لاشيء، فطأطأ رأسه...

أعاد الأستاذ السؤال مرة ثانية بلهجة أكثر حدة:

- ألم تسمع ما قلت، أذكر عيبا من عيوب الزوجين، مالك تنظر إلي هكذا ؟

- استجمع رضوان قواه، بعدما أدرك أن لا مفر من الإجابة، فقال بصوت متقطع:

- و..ولكني لم أ...أتزوج بعد يا أستاذ...

تعالى صوت الضحك في أرجاء الفصل... إلا أن الأستاذ تدخل محاولا السيطرة على الوضع، فصرخ بصوت عال مهددا ومتوعدا، كثم التلاميذ أنفاسهم، وظل يحملق في رضوان الذي بدا له مجرما يستحق العقاب... أمسك بتلابيبه ورفعه من مكانه بحركة جنونية:

- أتتخذنا هزؤا أيها الأحمق، أم تخال نفسك في حلقة من حلقات جامع الفنا، من تظن نفسك، سقراط، كانط، النواسي؟؟؟ خذ: ضربه برأسية قوية على قفاه، لطمه مرة تِلوَ الأخرى، سبه وشتمه و...ذكره كالعادة بأن يغير "الحرفة": "شْحَالْ مِنْ مَرة كَلْتْ لِيك سِير قَلبْ لِيكْ عْلى شِي صَنْعَة، التعليم راه ما يْصْلاَح لِيكْ...قْرِينا بَكْرِي...".

بكى رضوان وانتحب، لعن الأستاذ في أعماقه، تخيل أمه المسكينة إلى جانبه تكفكف دموعه، تأخذه في حضنها، تمرر أناملها بين شعيرات رأسه، تقبله، وتقدم له نصيحتها المعهودة:

- اصبر أولدي كُلشِي غايْفُوت، مهما طال الليل لابد تَطْلَع الشمس، كان تَيْكُولْها لِي بَاك الله ارَحْمُو...

حاول أن يفهم، لكن مخيلته الصغيرة لم تسعفه على ذلك، بل لِمَ يفهم أصلا ولا أحد حاول أن يفهمه، وظل يتساءل:

- ما علاقة الأستاذ بالليل، أهو الليل نفسه، أم هو الشمس التي ستطلع... ؟

بينا هو على تلك الحال شارد الذهن حاضر الجثة دوت مصارينه مرة أخرى، أَنً وتلوى، صرخ بصوت مبحوح...أدرك الأستاذ أن تلميذه فعلا يعاني شيئا ما، فحاول إصلاح غلطته، قائلا:

- هي...أنْتَ نُوضْ شْرَبْ شْوِي الماء أُورْجَع...

قام رضوان من مكانه أحس بدوار شديد، وضع يده على رأسه حاول أن يخطو خطوة إلى الأمام، فلم يسْطِع، ترنح وأوشك على السقوط، اندفع مصطفى تجاهه محاولا مساعدته، أمسك بيده وأسنده إلى كتفه واصطحبه إلى الخارج... في الحمام رش رضوان وجهه بالماء، أحس برغبة في القيء، حاول لكن لا شيء، ماذا سيتقيأ وهو لما يتناول شيئا منذ البارحة...

- نْتَ لِي مَكَاتْسْمَعْ كَلْت لِيك نُوضْ تَفْطَر مَابْغِيتِيشْ... بهذه الكلمات واجه مصطفى زميله محاولا تحسيسه بالذنب، لكن رضوان رد عليه بالقول:

- أنا بخير، إنه الجوع، اذهب حتى لا تفوتك الحصة.

- نَمْشِي أُونْخَلِيكْ بْوَحْدَكْ...وَاشْ نْتَ حْمَقْ.

- قلت لك اذهب سألحق بك بعد قليل، هيا اذهب (مشيرا إليه بيده)...

التحق مصطفى بالفصل وجلس مكانه... سأله الأستاذ:

- أين زميلك؟ أهو بخير ؟

- تركته في الحمام، أظنه بخير...

يتبع...
شامان

شكر الاخ شامان عمل رانع اعدت الينا الداكرة الى الوراء بكل ما تحمله من معاناة والالم استحضر هنا فترة الدراسة في المرحلة الابتدائية بمجموعمة مدارس تمزموط باطرها السابقة والدين لن تنساهم الداكرة مهما طال العمر .صراحة تجربتك واروايتك هاته هي تجربة جيل التسعينات جيل الاستاد لحسن اولهري والراحل محمد الوكيلي في انتظار المزيد من سيرتك تقبل منا كامل التشكرات على جل الاعمال التى تقدمها.

تحية أدبية ملؤها الحب والتقدير لجميع المتدخلين
أما قبل لن أنكر أن تعليقاتكم وملاحظاتكم أثلجت صدري وضخت في عروقي الجافة، التي أضناها الألم دماء جديدة ...
فشكرا للجميع

هذا المقطع يحيلنا على القضايا البيداغوجية و غيرها في تعليمنا؛ولنا الحق في مناقشة بعض الاسئلة الملحة؛هل العى وسيلة تربية وهل يتقن اساتذتنا بيداغوجيات التعليم كالتمهيد اذ التمهيد هو المحفز و المشهيالى الدرسفضحك البطل في الدرس يجد تبريره من هذه الزاويةتم لنا ان نناقش على ضوء ما أثرته مدى امكانية التحصيل العلمي مع الجوع و الفقر اضافة الى غياب التواصل بين الاستاذو التلميد:تلميد:جائع/رقيق...استاذ فظ/لامبال...انها اشكاليات اضحت الكتابة فيها امرا حتميا وقد كان ضحيتها بالدرجة الاولى رضوان/تلميذ الجنوب و القرى الذي رضي بالواقع الحتمي و قفز على المثبطات رغم هزالته وعظمتها

تحية أدبية
وبعد إنه لشرف كبير أن يحظى هذا العمل بقراءة قارئ مجيد وناقد عارف بخبايا النصوص وعلاقة الجمل بعضها ببعض، وذو خبرة في مجال الكتابة والقراءة...
فشكرا جزيلا
شامان