الحرمان...

الجزء الأول

نُوضْ نُوضْ بَرَكَ مَنْ النْعَاسْ...

سَكْتُونَا خَلِيوْنَا نَعْسُو...تْفُو...

على إيقاع الصراخ والضجيج المعتاد صباح كل يوم والرائحة الكريهة التي تزكم الأنفاس يستيقظ رضوان بتثاؤب وتثاقل كبيرين، فهو لا يحس حلاوة النعاس إلا في هذه اللحظة بالذات، عبثا يحاول التغلب على هذه العادة السيئة، لكن دون جدوى، فالأحلام والكوابيس التي تراوده كل ليلة تقض مضجعه، وتجعلانه يبدو كملاكم جريح خرج للتو من منازلة...

بصعوبة كبيرة وخوفا من ضياع وجبة الفطور يستجمع رضوان قواه، يحيي زملاءه ويتجه صوب الحمام لقضاء حاجته ودَلكِ محياه بماء بارد يلفح الوجوه..

- رضوان سَرْبِي أَصَاحْبِي غادِي إِخَلِيوْنَا بْلَا فْطُورْ عَاوْتَانِي...

بهذه الكلمات يحييه زميله في "الدروتوار" ورفيق دربه مصطفى...

- ودون أن يلتفت إليه يرد: مَالْنَا غَادِي نَاكْلُوا الشْوِي، وَاشْ هَذاكْ كَاتْسَمِيهْ فْطُورْ...

تلقى مصطفى إجابة رضوان باستغراب واستنكار كبيرين، فأردف قائلا:

- كِمَا القاعدة اللِي سَمْعَكْ إِكُولْ بَاكْ هُوَ المُقْتَصِدْ...

كلمات نزلت كالصاعقة على رضوان إذ انقبض قلبه، وتبدلت أسارير وجهه، لم لا وهو الفتى الذي تجرع مرارة اليتم منذ سنوات ولما يتجاوز بعد ربيعه الثاني عشر، ولكن من ذا يحس بآلامك، فاليتم شعور لا يحسه إلا من كابده. ظل رضوان شاردا، يحملق في انسياب الماء العذب من الصنبور، اغرورقت عيناه بالدموع من شدة الحزن، إنه يلعن في أعماقه اليوم الذي ولد فيه، والقدر الذي رمى به وسط هذه البناية المقززة، الكريهة إلى قلبه وروحه، إن كان في كل مدينة ما تشان به فإن ورزازات فيها داخلية بل سجن محمد السادس...إنها لمفارقة عجيبة أن يحمل هذا المكان الموحش اسم ملك البلاد...بناية مهترئة، جدران مشققة، نوافذ مكسرة، وأنابيب صدئة تخترق حمامات شبيهة بإسطبل حيوانات أليفة، الأغطية والأفرشة "الماطلات" رائحتها الكريهة تزكم الأنفاس، وأثر البول وكل ما يخرج من مخرجي الشباب...أصبح مألوفا. أما الضيق والاكتظاظ فالسردين في علبته أحسن حالا.

بقي رضوان على حاله إلى أن انتشله زميله مصطفى من عالمه، وقطع حديثه إلى نفسه بأن ربت على كتفه قائلا:

- وَاشْ مَازَالْ كَتَغْسِلْ كِمَارْتِكْ، النَاسْ رَاهْ فَطْرُو أُوغَادْيِينْ اللِيسِي، أَتْحَركْ أَصَاحْبِي. وَلَا بْغِيتِي لُوسْتَاذْ إِخَرَجْنا كِمَا القاعدة...

انتفض رضوان كعصفور صغير بلله القطر، عقد حاجبيه وعاد إلى رشده... مسح وجهه بمنديل كان يحمله على كتفه الأيمن، وأسرع إلى مكانه ليبدل خرقه البالية.

فتح "لارموار" وغير ملابسه. تناول محفظته وعلقها على ظهره دون أن يلقي نظرة على ما بداخلها، ولِمَ يفعل ذلك فدفتره الوحيد جامع مانع لكل المواد.

الساعة تشير إلى السابعة والنصف صباحا، عليه أن يسابق الريح ليدرك حصته، فالمؤسسة تبعد بنحو ثلاث كيلومترات عن الداخلية...قفل مسرعا هو وزميله في اتجاه المؤسسة. البرد قارص. أغلب المحلات لا تزال مقفلة. الشوارع خالية من المارة باستثناء كلاب ضالة تنبش هنا وهناك في أكياس بلاستيكية ملقاة على جنبات الشوارع، علها تظفر ببقايا وفتات تسد به رمقها... أثار هذا المنظر انتباه رضوان، إذ لا فرق بينه وبين تلك الحيوانات إلا أنه جائع طوال حياته...تذكر ما يردده أستاذه، إن الله يرزق من يشاء بغير حساب...لكنه جائع، نعم جائع يحتاج إلى ما يأكله...

- لماذا تأخرتما ؟ يسألهما الأستاذ بغضب شديد...
ودون أن ينتظر الإجابة يهوي بكفه الغليظة على خذه، وبضربة مماثلة لزميله يلقي بهما معا داخل القاعة...
شامان
يتبع ...

تحية خالصة للاديب شامان
في حقيقة الامر قد استمتعت كتيراوانا اقرا هذا الفصل ...

كلما قرات احد نصوصك الابداعية الا واحسست انك تسخر من القدر بلغتك البسيطة والمتشربة بالظواهر الاجتماعية و بالواقع المرير الذي يعيشه العديد من التلاميذ اتناء اغترابهم.
في ضوء هذه المعاناة اقول لك و لرضوان ان تكونا كمن قال;

ساعيش رغم الداء والاعداء *****كالنسر فوق القمة الشماء
And that''Lighting a candle is better than cursing the darkness

أشكر كل من مر من هنا وترك بصمته أتمنى أن تكونوا قد استفدتم وأفدتم في انتظار مستقبل الأيام وتتمة العمل...
شامان

محبتي للجميع

هناك تألق سردي في نقل الضيق النفسي لبطل النص الى ذهن القارئ ؛فهو يتشبت بالنوم في ساعات الاستيقاظ لأن ما ينتظره على قدرة كبيرة بتعميق معاناته و اخضاعه لسلسلة من الظروف و الوضعيات التي ستجعل نفسه تنجر على التراب و تتكاسل ،إنها معاناة تسير على قطب دائرة تتكرر كل صباح أحداثها؛ بل تمتد لتغطي اليوم كله حتى ترهق البطل الذي تارة ينكسر فيحس كأنه عصفور و تارة يذل حتى يحس أنه كلب بل الكلب أحسن منه حالا؛تم تطفو تيمة اليتم التي ترهف حسه وتوقد جمراة الانكسار و الاحباط، لتتوج بداية الفترة الصباحية باستقبال صفعة جزاء يفتقد التبرير إليها سبيلا؛ا لا انها تتداعى مع الاحداث لتعميق المعاناة.
وسيكون النص أجمل عزيزي لو تفاديت لغته التقريرية

تحية وبعد
زميلي العزيز البدر اللطيف كانت ملاحظاتك لتعطي أكلها لو أنها قدمت في وقتها المناسب، لكن للأسف لم أستفد منها كثيرا لأنها جاءت متأخرة، إذ صدرت أجزاء ثلاثة بعد هذه المحاولة، وإن كانت في الحقيقة كتبت كلها منذ سنوات...
شكرا مرة أخرى

كلامك صحيح لكن تذكر أنني كنت في افران ومقاهي النت هناك نادرة جدا لذلك تعمدت قراءة نصوصك مرتبة رغم تأخري بعد عودتي