موضوع: ظاهرة السرقة عند الأطفال اسبابها وطرق علاجها الجمعة مايو 06, 2011 3:40 pm
بسم الله الرحمان الرحيم مقدمة السرقة ظاهرة إجتماعية تدخل ضمن ألوان أخرى من الإنحرافات . وهي ظاهرة عالمية إقترن ظهورها بالثورة الصناعية وتقدم التقنيات وبتطور البنيات الإجتماعية والإقتصادية والسرقة عند الطفل بصفة خاصة لأنها( تمثل حسب إحصائيات 1971 % 85 في المائة من إنحرافات الطفل المغربي) والإنحراف بصفة عامة من أهم القضايا الإجتماعية التي تثيرالإهتمام ذلك أن هؤلاءالصغار المتمردين على المجتمع والذين يزداد عددهم سنة بعد أخرى أصبحوا مصدر متاعب بالنسبة لأسرهم و للمجتمع . ونظرا لأهمية هذا الموضوع فقد إخترته موضوعا للبحث قصد فهم ظاهرة السرقة والتعرف على الأسباب والعوامل المؤدية إليها وبالتالي إيجاد الوسائل العلمية لعلاجها وقبل الحديث عن هذه الظاهرة والإحاطة بها من كل الجوانب كان من الضروري فهم الأسس الطبيعية لظاهرة السرقةعند الطفل التي تأخد حيز مهم من الميل الى التملك الذي هو فطرة إنسانية فماهي هذه الأسس ؟ وما علاقتها بظاهرة السرقة ؟ وكيف ترتبط العوامل والأسباب المؤدية الى السرقة بهذه الأسس ومظاهرها ؟ وما هي بعض الحلول المقترحة لمواجة هذه الظاهرة والحد منها داخل الأسر وخاصة السرقة عند الطفل 1) الأسس الطبيعية لظاهرة السرقة : الميل الى التملك أمر مشروع عند كل انسان ،فالسرقة هي الإستحواذ على مايملكه الآخرون بطريقة شاذة وغير سليمة ، او بدون وجه حق . ونظرا لأنها تلحق الضرر بالمجتمع لأنها تمس بملكية الأشخاص والجماعات ، فإن القانون يعاقب عليها، كذلك المجتمع وحتى الأديان؛ فقد شددت في معاملة السارقين فكانت من بين الوصايا العشر في العهد القديم لا تسرق وجاء التهديد بقطع أيدي السارقين في الاسلام جزاء على فعلة السرقة ـ والمؤسف ان هناك مهارات تستخدم في عملية السرقة تستلزم في غالب الأحيان قدرا من الذكاء ، والخفة والرشاقة في استعمال الأيدي والأصابع والتأنق والتصنع وإظهار المودة والإحتشام ،فالطفل يشعر بميل شديد الى الملكية ، حتى ولو كانت ملكية الاشياء تافهه ، وعلى الأهل أن ينموا هنا الشعور عند الطفل لانه حق طبيعي ، فيجب أن يكون هناك أشياء خاصة به ، وأن تكون كلعبه له يتصرف فيها تصرف المالك في ملكه ، وذلك لإشباع هذه الغريزة الفطرية ، والأسرة بما لديها من أنظمة أسرية عليها أن تحافظ على ملكيته ، ليفهم هو بدوره كيف يجب أن يحافظ على ملكيته غيره ولا يسرقها ، ونحن لا نقول بشجيع وتنمية الشعور بالملكية الى درجة الأنانية اذ من المستحب أن يتناول ـ رضائيا ـ اللعب والمقتنيات مع إخوته وأصدقائه عن طيب نفس. والذي يراقب مقتنيات الأطفال التي يحتفظون بها في خزائنهم وأدراجهم فيراها سخيفة ، وغير ذات أهمية (صور ، علب ، اقلام قديمة ) لكنها عزيزه جدا على قلب الطفل ولذلك يحافظ عليها لمحافظته على الأشياء الثمينة عند الكبار. وقد يسرق الأطفال وهم لايزالون صغارا ، بعض الأطعمة أو الحلوى ويضعونها في جيوبهم أو مختلف الأشياء التي تروق لهم كبعض اللعب وغيرها ، ويرجع السبب في ذلك إلى نقص في فكرتهم عن الملكية. عوامل نشوء ظاهرة السرقة عند الطفل سرقات الأطفال من القضايا التربوية المهمة التي كثيرا ما يخطئ ـ الوالدان في معلجتها بأسلوب صحيح فقد تمتد يد الصغير إلى شيء لا يخصه في البيت أو في المدرسة فيلقى عقابا بدنيا مفرطا من الأب او الأم أو يقابل بصمت وتجاهل منهما لما فعله فمن الصعب في كثير من الأحيان أن نطلق على ما يأخذه الطفل دون وجه حق ،أو دون ،استئذان سرقة فقد تمتد يد الصغير الى لعبة في احد محال اللعب فيحملها دون ان يشعر بذالك والداه وقد لا ينتبها الى ما حدث الا بعد العودة إلى البيت فيفاجأن بلعبة لم يدفعا ثمنها في يد الصغير ، وقد تمتد يداه الى مكتب ابيه . او مكتبة لياخذ منها اوراقا أو اقلاما ، او كتبا ، او غيرها هذا الصغير لايمكن ان تسميه سارقا ، ولكن مخاطر ان يصبح كذلك توقف على سلوك والديه ومعالجتهما فلاطفال أقل من عشر سنوات ،معرضون إلى اشكالا عدة ينبغي ان ينتبه لها الوالدان ، ويسارعان في علاجها فقد يطلب الطفل من زميله في المدرسة . أن يعطيه مبرأه او قلما او ساعة او لعبة ـ الخ ـ فيستجيب له ، لأان أطفال هذه السن يجدون قدرا كبيرا من السعادة في ان يمارسوا حقهم في التصرف فيما معهم وعندما يسأله والده ، او والدته عن تلك اللعبة او القلم ، او الساعة يقول إنه اعطاها لجاره او زميله فلان ، وربما تطلب الأاسرة منه ان يستعيد ما اعطاه ، ولكن الأخر لا يستجيب اما بضياع ما اخذواما لتصرفه فيه ، واما لحرصه على تملكه . وهنا تكبر المشكلة وقد يعجب الطفل بما في حوزة غيره من اللعب او الادوات او النقود وعرف سلفا ان زميله سيرفض اعطاءه او ايجارته الاداة او اللعبة لبعض الوقت فينتهز اقرب فرصة ليستولي عليها خلسة في غيبة صاحبها . او في لحظة غفلة منه ويكشف صاحب الشيء المفقود الامر فيعلن عن فقدها ويلجأ الى زملائه يسألهم عنها . كما يلجأ الى العاملين بالمدرسة شاكيا فقد حاجته ويخشى الطفل الذي اخذ الأداة او اللعبة او النقود الإعتراف بما وقع منه حتى لايتهم بين زملائه بالسرقة ويقع عليه العقاب فيتعقد الموقف وتكبر المشكلة . فمفتاح حل الموقف هنا في يد اسرة الطفل الذي اخذ الاشياء اذ على كل اسرة ان تلاحظ اطفالها ملاحظة عن كثب لصد مايحدث من تغير في مقتنيات اطفالها . فاذا وجدت الاسرة تغييرا في تلك المقتنيات فعليها الاتصال بالمدرسة ، والتحدث مع معلم الطفل وقد يحدث من هذه المشكلة الا يسمح الاباء لابنائهم بان يحملوا معهم الى المدرسة اشياء غالية او نفيسة تكون عرضة للضياع او السرقة . أ) العوامل النفسية : أن نسبة كبيرة من الاطفال الدين يرتكبون السرقة يعانون من اضطراب في الشخصية ويعانون من التوثر النفسي ويقصد بالإضطرابات النفسية الخلل الذي يصيب القوى النفسية فينتج عنه عدم قيام هذه الاخيرة بوظيفتها الطبيعية مما يدفع المصاب الى عدم الاكثرات بالقيم والمعايير الإجتماعية . ب) العوامل البيولوجية الجسمية : هي عوامل مساعدة اي أنها يمكن أن تؤثر على سلوك الطفل ولكن ليس بالمعنى الذي تعطيه مدرسة " لمبروز" التي تدعي أن الانسان مجرم بالوراثة اي أنه يولد ذا تكوين بيولوجي معين يؤثر في شخصيته ويحدد سلوكه الإجرامي . وقد ثبت خطأ هذه النظرية وما شابهها من نظريات ، على أنه ثبت بان العلل الجسمية تجعل الطفل يشعر بالنقص . فالطفل قد يولد مشوه الخلقة أو ذا مزاج حاد ومعقد وهذا قد يؤدي به الى الإنعزال عن المجتمع بل والنقمة عليه وبالتالي قد يدفعه الى إرتكاب السرقة انتقاما من المجتمع ورغم كل هذا اذا توفرت له ظروف حسنة في جو عائلي واجتماعي فإنه لا ينحرف . ج) العوامل التربوية : من العوامل المؤدية الى السرقة عدم المراقبة من طرف الآباء لان الطفل في نشئته الاولى لا يستطيع ان يميز بين الخير والشر ولا يعرف معنى للقيم الاجتماعية الا بإيحاء من الأسرة . فالتربية الصالحة تمنع الطفل من الأنزلاق في مهاوى الأنحراف وبالتالي تحدره من معاشرة رفقاء السوء . د) العوامل الاقتصادية : الفقر يؤدي الى السرقة عن طريق تأثيره الذي يتمثل في كونه يشكل ضغطا اقتصاديا على الطفل وخاصة عندما يكون ضعيف النفس وذلك لان الفقر يحول بين الشخص واشباع حاجياته الضرورية بالطريق المشروعة فيكون عند ئد مظطرا ومدفوعا بغريزته الى ارتكاب جرائم السرقة ، قصد اشباع تلك الحاجيات الأساسية وقد يكون للفقر تاثير غير مباشر وذلك عن طريق ما يصاحبه من ظروف سكنية غير ملائمة خاصة في المدن الكبرى حيث تضطر اسر الاطفال الى الإقامة في أحياء قصديرية مكتظة بالسكان والتي لا تتوفر فيها الشروط الصحية فيرتبط الطفل بحكم السكن بنمادج إجرامية والفقر يعني كذدالك خروج الابوين من المنزل قصد العمل . فلا يعودان الا في المساء فلا تتاح لهما فرصة مراقبة ابنائهما . ر) العوامل الاجتماعية : وتنقسم الى عوامل اجتماعية داخلية ترتبط بالوسط العائلي ، وقد اتفق كثير من الباحثين على الاهمية القصوى التي تلعبها الاسر والجو العائلي في تنشئة الطفل وخاصة في السنوات الاولى من حياته وكما هو معلوم فالطفل في تنشئته الاجتماعية يحتاج الى الشعور بالحب فشعور الطفل بأنه منبود يؤدي الى سلوك غير مقبول . فالأسرة تلعب دورا كبيرا في اتجاه الطفل نحو السرقة ، فالطفل الذي يولد في اسرة جوها مشحون بالخصومات أو في أسرة لا عائل يعيشها إما بسبب الطلاق أو الهجرة أو لأنه متوفي أو مسجون وإما لانه مدمن على شرب الخمر أي الطفل الدي يولد في وسط عائلي تدهورت حالته الإقتصادية لا شك ينعكس أثر هذا التدهور السئ على الإبن الصغير . يمكن القول أنه نتيجة هذا التفكك العائلي وما ينتج عنه من قلة الرعاية ، ممكن أن ينتقل الطفل الى السرقة . ز) العوامل الأخرى المساعدة على تفشي السرقة لدى الأطفال : ومن العوامل الأخرى المساعدة على تفشي السرقة إلى جانب هذه العوامل التي أشرنا إليها سالفا ومنها: نقص شعور الطفل بالأمن والاستقرار، وهذا طبعاً يكون بسبب وجود تغير في معاملة الوالدين أو تفكك الروابط الأسرية، كأن يولد أخ أو أخت لهذا الطفل، فيرى أن الاهتمام كله انتقل منه إلى هذا الأخ الجديد المولود حديثاً؛ فيبدأ يغار منه بسبب ما يلحظه من التغير في معاملة الوالدين مما يؤثر في شعوره بالأمن والاستقرار. كذلك تفكك روابط الأسرة التي تجعل الطفل يبدأ يشك في حب الوالدين له ، وبالتالي تحصل السرقة كرد فعل لهذا الحرمان، أو يفعل ذلك محاولاً استعادة الشعور بالأمان الذي فقده في هذه الأم أو هذا الأب. كذلك من العوامل المساعدة على سلوك السرقة: التدليل الزائد، كأن يكون الطفل الأول أو يكون هو الطفل الوحيد فيتعوذ بسبب التدليل الزائد على أن كل طلباته تجاب، فيصبح الطفل الصغير هذا ملكاً ، فيبقى هو الآمر الناهي وكأن من علامات الحب له أن تكون كل طلباته مجابة، والتدليل لا بد منه لكننا نتكلم عن الغلو فيه أو الإفراط فيه، طبعاً الطفل في هذه الحالة يصل إلى مفهوم معين فيفهم أن كل شيء يطلبه يناله ففي هذه الحالة يفهم أن الحياة والتعامل مع الناس قائم على الأخذ فقط، فإذا كبر يصطدم بأن الحياة هي في الحقيقة أخذ وعطاء، وربما كان العطاء أكثر من الأخذ. ونلفت النظر إلى شيء مهم جداً، بالذات حينما توجد المشاكل بين الزوجين، وتكون العلاقات متوترة، والنزاعات مستمرة، ولا يوجد تفاهم بين الزوجين، وكذالك عندما تظهر هذه الأشياء أمام الأطفال، ويدفع الجميع الثمن، وأولهم الطفل الذي هو ضحية النزاعات بين الأبوين، أو التضارب في القيادة التربوية الأب يقول له : اعمل كذا، والأم -لكي تعاند الأب- تقول: لا تعمل فيحصل الخلاف ويشعر الطفل بهذه الأوضاع، فنقول: إن هؤلاء الآباء أحياناً إذا طلب من أحدهم أن يضحي بأي شيء مادي في سبيل إسعاد هذا الطفل البائس فهو يقول: أنا مستعد أن أدفع أموال الدنيا! فنقول له: حتى لا يشقى ابنك ويصبح ضحية لن يكلفك الأمر أموال الدنيا، ولن يكلفك أموالاً على الإطلاق، وإنما يكلفك أن تتغلب على المشاكل التي بينك وبين زوجتك لمصلحة هؤلاء الأولاد، قد يصل العناد أحياناً ببعض الآباء إلى أنه لا يكون مستعداً لفعل مثل هذه الخطوة، ولا يدرك خطورة الثمن الفادح الذي سوف يدفعه هؤلاء الأولاد، إذا كان الأبوان مستعدين للتضحية بأي شيء في سبيل إسعاد الإبن والإبنة، فالأولى لهما أن يضحيا بعلاج هذه المشاكل بسلوك مسلك سليم في التعامل أمام الأولاد، وإصلاح ما بينهما من التفكك حتى لا ينعكس على نفسية هؤلاء الأولاد، فهذا هو لب العلاج، بالذات في الأسرة التي توجد فيها مشاكل بين الأبوين، وبالتالي يكون الأولاد هم الضحية! 3 ) أنواع السرقة : عند الكلام عن السرقة من المهم أن نتكلم عن أنواعها؛ لأن السرقة لها أنواع كثيرة، فهناك سرقة ذكية وهناك سرقة غبية، فالذكية يصعب كشفها، لكن السرقة الغبية تكون نتيجة عن كون الطفل مبتدئاً في هذا الموضوع وصغيراً، فيبدأ السرق بطريقة غبية بحيث تكتشف السرقة بسهولة. كذلك يجب أن نفرق بين السرقة العارضة والسرقة المعتادة، فالسرقة العارضة: تنشأ نتيجة التحريض على السرقة أو قليل من الإغراء، فيقدم على هذا السلوك ثم يرجع عنه؛ لأن هذا نتيجة شيء عارض، لكن السرقة المعتادة: أن تصبح السرقة لديه عادة متكررة لا يرجع عنها. فإذاًنحتاج إلى أن نعرف نوع السرقة ، هل يسرق الطفل لإشباع حاجة أساسية كأن يكون جائعاً وليس معه مال ليأتي بطعامه ، فيدخل محلاً -مثلاً- ويسرق شيئاً يأكله؟ فهل السرقة للحاجة أم أنها للمباهاة؟ فعندما نعرف السبب فإن ذلك يساعدنا على علاج هذه الظاهرة، فإذا كانت السرقة نتيجة أنه لا يعطى المصروف مثلاً أو لا يأخذ طعاماً فلابد إذاً أن توفر له الاحتياجات الأساسية؛ حتى لا يسلك هذا المسلك، فهناك سرقة للحاجة، وهناك سرقة للمباهاة، أي: أنه يريد أن يفتخر أمام أصدقائه فقط، فهذا نوع من حب الظهور عند الطفل في أن يظهر عند زملائه أنه استطاع أن يفعل هذه السرقة. وهناك سرقة فردية وسرقة جماعية، فالجماعية: أن يشترك مجموعة في السرقة، والفردية أن يسرق بمفرده، لكن السرقة الجماعية هي جزء من عصابة من الأطفال السراق، فهذا معه عصابة وعمل جماعي، وكل واحد له دور محدد يؤدي. أيضاً هناك فرق بين السارق المحترف والسارق الماهر، فالسارق الماهر يتميز بالذكاء والمهارة واللباقة وسرعة البديهة، أما السارق المحترف فهو يكون عنده مهارات مميزة جداً في الناحية العقلية والجسمية والحركية، كخفة اليد والأصابع وسرعة حركتها... إلى آخره. كذلك يكون عنده هدوء أعصاب، وهذه الحالة تكشف أنه محترف ومتمكن جداً في السرقة، بل ربما يتظاهر بالأدب والتأنق والمودة والاحتشام ومساعدة الغير؛ حتى يسهل وقوع الفريسة في الفخ! ...... 4) وسائل علاج ظاهرة السرقة عند الأطفال 1) ترسيخ مفهوم الملكية الخاصة والعامة في محيط الطفل : من أهم العلاجات في هذه الحالة: تكوين اتجاه إيجابي واتجاه سلبي، اتجاه إيجابي من ناحية الأمانة، فنرسخ فيه مفهوم الأمانة وندعمه، وفي نفس الوقت ننشئ عنده اتجاهاً سلبياً من ناحية السرقة، وذلك يكون باحترام حقوق الطفل فيما يملكه من لعب ومن أدوات خاصة. ومن الخطأ التربوي أن تكون الأشياء مشاعة للجميع في البيت، فلا نقول للطفل: العب أنت وإخوانك، وهذه اللعبة لكم كلكم، بل يجب أن نخصه بلعبة حتى ننمي فيه احترام الملكية الخاصة وملكية الآخرين، وبالمقابل يمكن أن تكون هناك أشياء مشتركة لا يستطيع أن يلعبها إلا بمشاركة الآخرين، فمثلاً: الأرجوحة التي يلعب فيها اثنان لن يقدر أن يلعب بها إذا كانت بمشاركة آخرين، وهذه اللعبة تعتبر تربوية؛ لأنها تنمي الروح الجماعية عند الطفل. فمن الأمور المهمة جداً: أن نحترم حقوقه فيما يملكه، سواء كانت لعباً أو أدوات خاصة، أو فرشاة أسنان أو ملابس خاصة به. كذلك عندما يأتي الأب ويفتح حصّالة ابنه، ويأخذ منها المال بدون إذنه، وبدون أن يردها إليه، ففي هذه الحالة هذا الطفل أتوقع أنه سيكره الأمانة، ويمكن أن يفهم أن السرقة شيء مشروع إذا كان أبوه أخذ منه ماله، ففي هذه الحالة إن كان ولا بد فعلى الوالد أن يستأذن الولد أولاً كنوع من التدريب، ويعده أنه سوف يرد إليه هذا المال، ثم يرده بالفعل؛ حتى يشعره أن هذه ملكيته الخاصة، وأنه ليس هناك مَنْ سيعتدي عليه. 2) وجود القدوة الحسنة في حياة الطفل والمتمثلة في الوالدين : كذلك إلى جانب تنمية الشعور بالملكية الخاصة لا بد أن ينمى في الطفل روح التعاون، والأخذ والعطاء مع الآخرين، صحيح أن تقول له: هذه الأشياء ملكك أنت، هذه لعبك.. هذه ملابسك.. هذه أدواتك، لكن في نفس الوقت تقول له: عندما يحتاج أخوك منك شيئاً ويستأذنك عليك أن تعطيه، أو تقول له: حين تجد صاحبك محتاجاً إلى شيء كطعام مثلاً أو أدوات فعليك أن تعطيه. كل هذا الفعل حتى ننمي فيه روح التعاون مع الآخرين، بحيث لا يتطور موضوع الملكية الخاصة إلى درجة من درجات الأنانية، فلابد أن يتدرب على التمييز بين الشيء الذي يملكه، والشيء الذي يملكه غيره، ونحن نعرف أن هناك غريزة حب التملك، وهي غريزة من غرائز البشر، فهذه الغريزة قوية في كثير من الأطفال، بل لديهم ميل إلى ادعاء ملكية أي شيء يحبونه، يقول: هذا لي، بالرغم من أنه ليس ملكه، لكن لأنه أحبه فهو يريد أن يستحوذ عليه، لكن يجب أن نضع له الحدود ونقول له: ليس كل ما تحبه يكون ملكك، بل لا بد أن تنظر هو ملك من؟ وكيف يمكنك امتلاك هذا الشيء؟ وهذا مثال في إشاعة روح التعاون بدلاً من الأنانية: إذا أراد الطفل أن يلعب بلعب أخيه، نقول: استأذن أخاك أولاً؛ لأنها ملكه هو، فإن أذن لك العب معه، وبالمقابل شجع أخاه وقل له: أعطه اللعبة؛ لأنكم إخوة وأنت كذا... إلى آخره، فهو لن يتنازل عن ملكيته الخاصة قهراً، وإنما سيتعود على الأخذ والعطاء بالتراضي بين الاثنين، لكن لو أن كل الأشياء ملكيتها مشاعة بين الأولاد كلهم فسيحصل اختلاط الأدنى والأقصى، وسيختلط عليه الأصل، وبالتالي السلوك الذي تعلَّمه داخل البيت: أنه ليس هناك شيء اسمه ملكية خاصة، سينقله إلى خارج المنزل في المجتمع، فيكون كلما أراد شيئاً يأخذه، حتى لو لم يكن ملكاً له؛ لأنه لم يتعود في البيت على احترام الحدود بين ما يملكه هو وما يملكه الآخرون. 3) عدم التعجل في اتهام الطفل بالسرقة وتقصي ملابسات قيامه بهذا الفعل : الأمر المهم ألا نتعجل في وصم طفل بالسرقة، ولا ينفع أن تعلق عليه وتصفه بالكذب، وتقول: تعال يا كذاب، اذهب يا كذاب! فأنت بهذا تحطمه، فكل طفل يخطئ، أنت عندما كنت في نفس سنه أكيد أنك كنت ترتكب نفس الأخطاء، فكوننا نصم الطفل بالسرقة وهو في مرحلة التكوين هذا فيه نوع من الظلم، وزيادة المشكلة وليس حلها، فالسرقة عندما تحصل من الأطفال قبل سن الخامسة لا تكون سرقة بالمعنى المفهوم عندنا، فإذا حصل عندنا شك في أن هذا الطفل يسرق فلا بد أولاً: أن يحصل نوع من المراقبة لسلوكه لبضعة أيام؛ حتى نحدد متى يسرق؟ وماذا يسرق؟ وهل يأخذ الشيء معه عندما يسرق أم يتركه؟ هل يحتفظ به أم يجلس بجانبه؟ عندما يسرق هل ينظر إن كان أحد يراه أم لا؟ هل يضع الشيء المسروق في جيبه أم يمسكه في يده؟ هل يخفي الشيء المسروق في مكان معين؟ هل يعترف بالسرقة عندما يستجوب أم أنه ينزعج؟ هل يقول: هذا ملكي يخصني، أم أنه يقول: إنما أخذته بالصدفة؟ وهل عندما يأخذ شيئاً يعيده إلى صاحبه أم أنه يرفض؟ وهل يسرق أشياء صغيرة تدخل في الجيب أم أشياء كبيرة، أم يسرق أجزاء من أشياء كبيرة؟ هل يسرق ممتلكات زملائه أم أدواتهم المدرسية أم يسرق طعاماً أم نقوداً؟! وكما أشرنا لا بد أن نعرف هل السرقة عارضة أم أنها متكررة؟ لأنها لو كانت متكررة فستكون بداية احتراف، ويكون هذا مشروع مجرم في المستقبل. هل هو في سلوك السرقة يقلد أشخاصاً آخرين أم لا يقلد؟ هل السرقة تؤدي وظيفة نفسية معينة أم تسد بعض احتياجاته التي أشرنا إليها من قبل؟ 4) عدم المبالغة في ترك المال في متناول الطفل : بعض الناس يجعل المال متاحاً للطفل ليسهل عليه الوصول إليه، حتى إن بعض الآباء -جهلاً منهم- يقول: أنا أرمي المال تحت قدميه؛ كي يتحصن من السرقة ولا يفكر فيها. طبعاً هذا خطأ، والمثل العامي يقول: (المال السائب يعلم السرقة) فالمال المتاح يكون فيه نوع من الإغراء، والطفل ليس عنده النضج الكافي ليقاوم إغراء المال خاصة إذا كان محتاجاً إليه، ففي هذه الحالة المال يوضع في مكان محفوظ. وهذا لا يتعارض مع ما قررناه سابقاً من خطأ بعض الآباء عندما يبالغون في حفظ كل شيء حتى الأشياء التافهة؛ لأن ذلك يغرس فيه حب الاستطلاع ليستكشف هذا الشيء، لكن كلامنا هنا على أن المال يكون متاحاً بصورة سهلة جداً، والذي يقول: أنا أرمي المال تحت رجليه؛ حتى يتحصن من السرقة، فهذا سوف يؤدي إلى انعدام الدافعية لتحصيل المال عندما يكبر؛ لأن المال تحت رجليه طوال العمر، فإذا كبر سينعدم الدافع لكي يجتهد في تحصيل المال، ويؤدي أيضاً إلى أنه يستهين بصرف المال في الأوجه المفيدة، والطفل إذا رأى المال أمامه طوال الوقت فإنه في هذه الحالة ستدخل عليه الوسوسة ليقدم على السرقة بطريقة تدريجية. في بعض الأحيان يحصل نوع من التدعيم للسلوكيات المنحرفة، فمثلاً: يعود الطفل على الغش في حياته اليومية، كما حصل من بعض المدرسين: حيث قام الأولاد يغشون في الامتحان، ويتناقلون الأوراق مع بعضهم البعض، والمراقب يقول لهم: لا بأس! لا بأس! فنحن كنا نعمل مثلكم، فطبعاً هذا تدعيم للسلوك المنحرف، فالولد يرجع إلى البيت ويقول: كان هناك غش في اللجنة، فيستحسن الوالدان ذلك باعتبار أنه فك الأزمة التي هو فيها عن طريق الغش، فهذا تحطيم للطفل، بل بالعكس! يجب أن تقول له: إذا سقطت في الامتحان أهون عندي من أن تغش؛ لأنك ستحترم نفسك وأنت كذا وكذا!! فمن وسائل تدعيم سلوك التعود على الغش في الحياة اليومية أن يقوم الأب بمدح ابنه لمهارته في الغش في الامتحان أو ما شابه ذلك. فتكوين صفة الأمانة يتم في السنوات الأولى من حياة الطفل، فنستغل دائماً أي فرصة يعتدي فيها الطفل على ملكيات الآخرين ونوجهه إلى ما يجب عمله في مثل هذه المناسبات: هذه ليست ملكك، هذا ملكه هو، ولا بد أن تذهب إلى زميلك وترجع إليه المسطرة أو ترجع إليه القلم... إلى آخره. 5)معرفة أسباب نشوء ظاهرة السرقة عند الطفل تساعد على منع تفاقمها : بالنسبة لعلاج السرقة إذا كان السبب واضحاً فعلاجه يكون سهلاً جداً، كأن تكون السرقة ناشئة عن وجود خلاف بين الأبوين، فيحصل عند الطفل اكتئاب، وكثير من الآباء يظنون أن هذا الطفل لا يفهم شيئاً، بل بالعكس فإن الطفل يدرك وجود خلاف بين الوالدين، وكذلك فإن وجود الخلاف بين الوالدين وبين الطفل وسوء معاملته يعد من الأسباب، فإذا حددنا السبب سهل العلاج عن طريق علاج السبب نفسه. طبعاً إذا استمرت السرقة بعد سن العاشرة فهذه مصيبة كبيرة؛ لأن هذا سلوك مرضي منحرف، فالطفل بعد سن العاشرة المفروض أنه يبدأ عنده نمو الوازع الخلقي، أما قبل ذلك فإن موضوع الوازع لا يكون قوياً عنده، وفي نفس الوقت الطفل يبدأ بالابتعاد عن أن يتمركز حول نفسه، ويبدأ يمتنع عن الإشباع الفوري للدوافع إذا وصل إلى مرحلة النضج، وبالتالي: فيفترض أن تقل السرقة بعد سن العاشرة أو تنعدم، لكن إذا استمرت السرقة مع نمو الوازع في نفسه ومع القدرة على الامتناع عن الإشباع الفوري للدوافع، وعدم التمركز حول الذات، فهذا مؤشر في غاية الخطورة كما ذكرنا سابقاً. فمن الأمور المهمة جداً غرس القيم الإسلامية والخلقية والتفريق بين الحلال والحرام وتنمية هذا الوازع 6 ) معالجة الحرمان المادي وترسيخ مفهوم الملكية الخاصة والعامة : معالجة الحرمان المادي بتوفير الضروريات اللازمة لهذا الطفل؛ كالأكل والشرب والملابس، وغيرها من الاحتياجات الأساسية التي لابد من توفيرها له. أيضاً: إشباع ميله إلى التملك والاستحواذ، وهذه يسمونها: (غريزة حب التملك) وهي فطرة في الإنسان، فيجب أن تشبع عنده غريزة حب التملك، بأن تبين له أن هذا الشيء ملكه، وأنه ليس مشاعاً بينه وبين إخوانه، فكما أنه يوجد أشياء مشاعة فأيضاً لابد أن يكون له أشياء خاصة به، فلا بد من علاج الحرمان المادي بتوفير الضروريات اللازمة للطفل وإشباع ميله إلى التملك والاستحواذ. أيضاً: احترام ملكية الطفل، وتعليمه احترام ملكية الغير، فإذا ظهرت ظاهرة السرقة لا بد من التعامل الحازم والمباشر والسريع معها، فإذا أحضر شيئاً من صاحبه ليس ملكه، أو أحضر معه شيئاً من المحل رغم أنه ليس معه مال، فلا بد من تنبيهه إلى الخطأ الذي عمله، فنقول له: هذا خطأ، ولا بد أن تعيد هذا الشيء إلى صاحبه، وإن أخذ شيئاً من المحل وأكله مثلاً، فلا بد أن يأخذ المال بنفسه ويعطيه لصاحب المحل. أيضاً: يمكن أن نعلمه الاحترام لملكية الآخرين بأن نأخذ شيئاً من خصوصياته -لعبة مثلاً- ونعطيها لطفل آخر، طبعاً هو سيثور، فعندها نفهمه ذلك قائلين: إنك غضبت لأننا أعطينا غيرك ما هو ملكك من غير أن نستأذنك، فنفس الشيء بالنسبة لك: إذا أخذت من أحد من الناس أو من أحد أصحابك أو من أحد إخوانك شيئاً يملكه هو فتكون بذلك أخذت ما لا تملكه، لكن هناك طريقة للحصول على الأشياء: إما أن يعمل الإنسان عندما يكبر ويحصل على المال، ويبدأ يشتري الذي يريده، أو أنه يستأذن صاحب هذا الشيء في استعماله. في نفس الوقت يمكن أن تكافئه إذا أنجز عملاً ما، كأن تقول: أنت عملت الشيء الفلاني، أنا أكافئك بأن أشتري لك هذه اللعبة؛ حتى تحسسه أن هناك مقابلاً، ليس مجرد أخذ .. وأخذ .. وأخذ، بل هناك أخذ وعطاء، فيمكن أن تطلب منه فعل شيء كأن تقول له: ساعد والدتك في الشيء الفلاني، أو اقض الأعمال الفلانية، وتذكر له مهمة بسيطة لمجرد أن تفهمه أن هناك مقابلاً، يعني: الإنسان عندما يحب أن يحصل على شيء فليس بمجرد أنه يتمناه يحصل عليه، أو يستولي عليه، لابد أن يتعب للحصول عليه. أيضاً: لا بد من ممارسته للملكية الفردية والعطاء لأقربائه، فمثلاً: نقول له: (السندويتش) ملكك، لكن إذا وجدت صديقك جائعاً، أو يريد أن يأكل معك أعطه منها، أو أعطه شيئاً من الحلوى، وتقول: هذه لأجل أن تعطي صديقك، وهذا الفعل من الوالد يعود الطفل على العطاء، فلا بد من أن يمارس الطفل الخصوصية في الأكل، والملابس، واللعب، لكن لا تصل الخصوصية إلى حد الأنانية والجشع. كذلك نعوده أنه إذا أراد شيئاً من خصوصيات الآخرين أنه يستأذن صاحبه، فهناك طفل أحياناً تكون الأنانية متمكنة منه بحيث إنه يأخذ أشياء الآخرين، فتقول: لا بد أن ترجعها لصاحبها، فيغضب وينفعل ويبكي فلا تبال، وإنما تصر على موقفك وتقول: هذه ملكه هو، وليست ملكك، وأنت أخذتها، كنت معتدياً وظالماً في هذا، فالمفروض أن تستأذنه، فيذهب يستأذنه، وهو عندما يستأذن فإنما يريد من صاحب الشيء أن يوافق، وإذا لم يوافق يعمل نفس المشكلة، فنفهمه أن الاستئذان ليس من شرطه أن يقول صاحب الحق: نعم 7) الجمع بين الحب والحزم في التعامل مع الطفل وتنمية مفهوم الأمانة عنده : عموماً التعامل مع الطفل لا بد فيه من أمرين: الحب والحزم، لابد في هذه القضية أن يكون هناك اتصاف بالحزم الممزوج بالعاطفة والتفهم. أيضاً: عندما تكلم الطفل لابد أن تكون هادئاً، ويكون كلامك واضحاً جداً، ولا يكون فيه نوع من الغموض، ودون عنف وإثارة، ودون تردد وضعف أمام بكائه أو دموعه؛ لأنه سيفهم أنه لو صرخ ورمى بنفسه على الأرض فستكون هذه وسيلة للحصول على ما يطلبه. أيضاً: من المهم تنمية سلوك الأمانة عند الطفل، فيمكن أن تعلق له في حجرته حديث: (لا دين لمن لا أمانة له) أو تشرح له حديثاً في الأمانة، كذلك تمارس أنت الأمانة أمامه قولاً وفعلاً، أو تحكي له حكايات عن أناس أنت لا تكذب عليه، هذه قصص أناس كانوا عندهم أمانات فردوها طواعية، ولم يخضعوا لإغراء الأشياء التي وجدوها، ولا رقيب عليهم إلا الله سبحانه وتعالى، فلا بد من ممارسة الأمانة أمام الطفل قولاً وفعلاً، وكلما كان كلامنا غير مباشر كان أفضل، وله تأثيره في الطفل، فمثلاً في الجلسة العائلية العادية ينتهز الأب أي فرصة ويحكي قصة واحد أمين على سبيل الاستحسان: ما أجمل هذا! انظر كيف الالتزام! انظر مراقبة الله سبحانه وتعالى! فقد حصل كذا .. وكذا .. وكذا فالطريقة غير المباشرة تكون أوقع مع الأطفال. 8 )تفعيل مبدأ الثواب والعقاب في التعامل مع الطفل: كذلك ممارسة مبدأ الثواب والعقاب، فإذا عمل عملاً يدل على الأمانة تثيبه عليه، وإذا ارتكب خيانة يعاقبه عليها، ولا بد أن يكون الثواب والعقاب فورياً، فإذا رأت الأم من طفلها عملاً جيداً فلا تقول: حين يأتي والدك بالليل سأجعله يشتري لك كذا. وإنما لابد أن تكون المكافأة فورية؛ حتى يربط الطفل بين إتيانه السلوك الجيد، وأخذه للمقابل الجيد، لكن عندما تؤجلها تفقد معناها، فيجب أن يكون الربط مباشراً بين العمل وبين الثواب أو العقاب. الكلام عن السرقة، وبيان أنه لا يليق بالمسلم أن يسرق، وأضرار السرقة على المجتمع، ولو أبيح لكل الناس أخذ ممتلكات الآخرين فكيف يعيش الناس؟! وكيف تستقيم أمورهم؟! فنبين له أن هذا السلوك مرفوض من الناحية الدينية الإسلامية والأخلاقية والاجتماعية، ونفهمه أن المجتمع يرفض هذا السلوك، وهذا شيء مهم. 9 ( توفير الجو الأسري الملائم للطفل وعدم التمييز بين الإخوة : كذلك من العلاجات: الدفء العاطفي بين الآباء والأبناء، وذلك بأن تشعر الطفل بأنك تحبه، إذ لابد أن يشعر بالأمن والطمأنينة والاحترام؛ لأن الطفل إذا أحب شخصاً فإنه غالباً لا يسرق منه، خاصة إذا فهم أن هذه سرقة. لابد أن نزرع الثقة في نفس الطفل ولا نشعره بالنقص، لا نقول له في لحظة الانفعال: يا حرامي! أتجرؤ على الكلام بعد فعلتك التي فعلت؟! هذا أسلوب يحطم الطفل، فالوالد يتصور أنه بهذا يؤدبه، لكن في الحقيقة هذا يفقده الثقة بالنفس ويشعره بالنقص والدونية، وأنه غير قادر على التماسك، وأنه غير أهل للاحترام أو الحب أو نحو ذلك. أيضاً: عدم التمييز بين الإخوة، بحيث يميز ابناً على أبنائه الآخرين؛ فيحس الآخر أنه محروم؛ لأن هذا يمكن أن يشجع على سلوك الانحراف. أيضاً: يفضل أن يندمج الطفل في جماعات سوية من الأطفال المهذبين الأمناء؛ ليتعلم من خلال الجماعة نفس القيم. من الأمور المهمة جداً: عدم الضعف أمام رغباته الأنانية، بألا يجاب إلى كل ما يطلبه، فنزيل الأنانية بعدم الاستجابة لكل طلباته (10التصرف بحكمة عند اكتشاف سرقة الطفل أول مرة : إذا حصل شك في أن الطفل يسرق لا بد أن نتجنب الإلحاح عليه؛ كي يعترف بالسرقة، لأنك إذا ألححت عليه فإنك ستفتح له باب الكذب، فإذا كذب ونجا من العقاب فإنه سيظن أنه نجح في تضليلك، ونجّى نفسه من العقاب، وبالتالي فسيتمرن على السرقة والكذب معاً، فكلما سرق سيكذب. كذلك أيضاً: لو أن الاعتراف استخدم معه العنف فهذا سيؤدي به إلى التمادي في السرقة، بالإضافة إلى أنه كل مرة خبرته ستزيد، وسيبدأ يأخذ خبرات، ويعرف ما هي نقاط الضعف التي كشفتها في المرة التي فاتت، وسيحكم الخطة كي لا يكتشف في المرة التالية. كذلك من الأمور المهمة: عدم تأنيبه على السرقة أمام الآخرين، فلا ينبغي أن تفضح الطفل وتصفه بأنه حرامي ولص أمام الآخرين، وإلا سيشعره ذلك بالنقص، وشعوره بالنقص سيؤدي إلى الانزواء من البيئة الاجتماعية، وليس هذا فحسب، بل قد يتعود على هذا اللقب، ولسان حاله: ما دام أن الجميع يصفني بأني حرامي ولص فليكن ذلك، وربما أنه يرى هذا اللقب رمز للانتصار على الآخرين، وعلى الكبار خاصة، لكن الصحيح أن نعامله بحب وصداقة مع حزم، أي: بحزم فيه نوع من المرونة، وإذا لم نعامل هذه المشكلة بهدوء واتزان فنحن نصنع منه فعلاً لصاً حقيقياً. أيضاً: نجتنب العبارات التي تضر بالطفل، كأن نقول له: أنت ألحقت بنا العار.. لوَّثت سمعة الأسرة أو العائلة.. إن كان ولا بد فاسرق من البيت، وليس من بيوت الآخرين، فمثل هذه العبارات تضر بالطفل! أيضاً: توافر القدوة الحسنة أمامه في سلوك الراشدين نحو الأمانة. أيضاً: نختار له ما يقرؤه وما يشاهده، والإعلام الذي يمكن أن يتعرض له، والكتب التي يمكن أن يقرأها بحيث تغذي فيه هذه المفاهيم 11 (مراقبة مصروف الطفل والمسارعة في معالجة ظاهرة السرقة في بداية ظهورها عنده : ولو أنه يأخذ مصروفاً فإنه في هذه الحالة لا بد أن يكون هناك نوع من المراقبة على المصروف، ولابد أن يتناسب مع سنه، والوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه، ومع البيئة المدرسية، وتكون هذه المراقبة عفوية، يعني: تكون المراقبة دون التسلط عليه، ودون أن يشعر. ولابد أن تعالج هذه الظاهرة في سن مبكرة قبل أن تتفاقم؛ لأن محترفي الإجرام والسرقة بالإكراه و(البلطجة) والتزييف والنشل وكل هذه الأشياء غالبهم بدأ في هذا السلوك منذ طفولته، فلا يجوز أبداً تجاهل المشكلة، لا بد من التشديد من الناحية التربوية، بحيث تكون هناك خطوات حاسمة لعلاج هذه الظاهرة؛ لأن القاعدة تقول: الذي يسرق البيضة سيسرق بعد ذلك الجمل، ومن سرق مال أخيه بعد ذلك سوف يسرق مال الناس أجمعين. أما التساهل في هذا الموضوع فإنه يؤدي إلى التشجيع على امتداد السرقة إلى خارج الأسرة، لا بد من إجراءات فورية لعلاج السرقة إذا حصلت، وأول خطوة هي: أن يفهم الأبوان هذا السلوك، وأن يواجهاه مواجهة صحيحة، لا بد من إشباع احتياجات الطفل المتعددة عن طريق مصروف منتظم يعطى له مع الإشراف المباشر عليه دون تسلط (12حماية الطفل من وسائل الإعلام التي تفيض في وصف حوادث السرقة : وسائل الإعلام لها دور كبير في توجيه سلوك الطفل، فيجب حجبه عن الوسائل الإعلامية التي تفيض في وصف حوادث السرقة والنصب والاحتيال، وقد قرأت في بعض الكتب أن التلفاز أتى بإعلان مفاده: أن رجلاً أعطى الطفل زجاجة شراب ليحافظ عليها، فالتفت الرجل فرأى الزجاجة فارغة، فقال: أين الشراب؟ قال الطفل: تبخرت، بينما في الحقيقة أنه قد شربها، فهذا الإعلان يلقن مبدأً هداماً، وهو أن السرقة حل، والكذب حل سهل جداً، وحل ظريف، ومقابل هذا كان المتفرجون يشاهدون هذا المشهد ويضحكون، وكأنهم يستحسنون هذا السلوك، وجاء هذا التصرف بعفوية وتلقائية من قبلهم، فعندما يجد الطفل أن ذلك الولد ظريف، والناس يستحسنون سلوكه، فإن ذلك يمثل بالنسبة له نوعاً من القدوة!! فلنحذر من وسائل الإعلام التي تفيض في وصف السرقة سواء من خلال المجلات والكتب والأفلام والتلفزيونات .. إلى آخر هذه الأشياء التي قد تبرز البطل في صورة نصَّاب ومحتال وتاجر مخدرات .. إلى آخر هذه الأشياء. إن هذه أشياء لا تستنكر اجتماعياً، فبالتالي: لماذا هو لا يسرق؟ الذي ينصب على الناس ويسرق ويكون مجرماً هو الذي يصبح غنياً ويحقق أغراضه.. إلى آخر هذه الأشياء 13 ( الحديث عن الأمانة وذكر القصص المتعلقة بها أمام الطفل : علينا أن نربط الطفل دائماً بالقصص التي فيها تعظيم للأمانة, وتنمية الوازع الديني في قلبه، والترهيب من السرقة من جهة أخرى، بأن نبين له عقوبة السارق في القرآن الكريم، وأن الله سبحانه وتعالى يبغض هذا الخلق وأهله؛ ولذلك قال في القرآن الكريم: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ [المائدة:38] ونقص عليه قصة المرأة المخزومية التي قطعت يدها، ونفهمه أن الناس كلهم أمام الله سواء، وكلهم لهم حرمة في أموالهم وممتلكاتهم فلا نعتدي عليها، وأن الناس لو لم يلتزموا بهذا الأمر ولم تقم حدود الله على السارق فهذا سيؤدي إلى الخيانة في ممتلكات الآخرين. فالكلام عن الأمانة -كما أشرنا من قبل- من الوسائل الرائعة جداً في التأثير على الأطفال؛ لأن الطفل في مرحلة معينة مفهومه مادي، تلقيه للمفاهيم يكون من الناحية المادية، فلو جئت إلى طفل عمره أربع سنين وكلَّمته عن النزاهة والعدالة والأمانة والتسامح وغير ذلك من المعاني المجردة فإنه لن يستوعبها، فلو قلت له: الصلاة ركن الدين وكذا وكذا، فلن يستوعب، لكن صلِّ أمامه فإنه عندئذ سيستوعب ذلك؛ لأنه إنما يستوعب الأمور التي يدركها بالحواس -المشاهدة والسماع- وهي تؤثر فيه جداً، إذا رآك تصلي يقلدك تماماً في الصلاة، هو لا يعرف ما هي الصلاة، لكن هو يمتص منك السلوكيات عن طريق المحاكاة. فهذه هي الوسيلة البدائية الأولى عن طريق المحاكاة الحسية والتفكير المادي، فإذا رأى منك سلوكاً فيه أمانة، أو حكيت أمامه قصصاً عن الأمانة فلا شك أنه سوف يتقمص هذه الأشياء، ويمتص هذه المسائل. فإذاً: القدوة من أهم وأخطر وسائل التربية وتنمية الطفل، وكذلك التخويف من مراقبة الله سبحانه وتعالى وأنه مطلع علينا في كل مكان. كذلك سرد القصص التي تجسد مبدأ الأمانة، كقصة الرجل الذي استدان من رجل ديناً، ووضع المال في لوح خشب واستودعه الله؛ لأنه لم يستطع أن يسافر، وهي قصة موجودة في القصص النبوي، فهذه من أفضل الوسائل؛ لأنك تعطيه أنموذجاً حياً أمامه. وعامة الناس والحمد لله يستطيعون أن يدركوا بعض السلوكيات التي بتفاديها يكتسب الأطفال نوعاً من الوقاية من الوقوع في السرقة . خاتمة :
الخــــاتمة
بعد هدا السرد لأهم الأسباب المرتبطة بظاهرة السرقة عند الأطفال أكون قد انتهيت من بحثي المتواضع وكلي أمل أن أكون وفقت من خلاله بتقديم تصور ولو كان بسيطاً عن هذه المشكلة التي يواجهها أطفالنا في مراحل طفولتهم، مقدمة بعض الحلول كما جاء بها علماء النفس والمختصين التربويين على حدة، وكذلك تصور للوقاية منها وعلاجها حال حدوثها.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
المراجع المعتمدة :
كتاب تربية الأولاد في الإسلام للدكتور عبد الله ناصح علوان
مجلة التربية والتعليم " السرقة عند الطفل وعلاقتها بالوسط العائلي"
مقال الأستاذة زينب الشيخي" السرقة عند الطفل"
في علم نفس نمو الطفل : د. محمد البريماوي
سيكولوجية الطفولة
اعداد : نور الجنوب تأطير استاد علم التربية غريب عبد الرحمان
الفهرس الصفحة مقدمة 1 الأسس الطبيعية لظاهرة السرقة 1 عوامل نشوء ظاهرة السرقة عند الطفل 1 أ) العوامل النفسية : 2 ب) العوامل البيولوجية الجسمية : 2 ج) العوامل التربوية : 2 د) العوامل الاقتصادية : 2 ر) العوامل الاجتماعية : 3 ز) العوامل الأخرى المساعدة على تفشي السرقة لدى الأطفال : 3 أنواع السرقة 4 وسائل علاج ظاهرة السرقة عند الأطفال 4 1) ترسيخ مفهوم الملكية الخاصة والعامة في محيط الطفل 4 2) وجود القدوة الحسنة في حياة الطفل والمتمثلة في الوالدين 5 3) عدم التعجل في اتهام الطفل بالسرقة وتقصي ملابسات قيامه بهذا الفعل 5 4)عدم المبالغة في ترك المال في متناول الطفل 5 5)معرفة أسباب نشوء ظاهرة السرقة عند الطفل تساعد على منع تفاقمها 6 6)معالجة الحرمان المادي وترسيخ مفهوم الملكية الخاصة والعامة 6 7) الجمع بين الحب والحزم في التعامل مع الطفل وتنمية مفهوم الأمانة عنده 7 8 )تفعيل مبدأ الثواب والعقاب في التعامل مع الطفل 7 9 ( توفير الجو الأسري الملائم للطفل وعدم التمييز بين الإخوة 8 10 ) التصرف بحكمة عند اكتشاف سرقة الطفل أول مرة 8 11 (مراقبة مصروف الطفل والمسارعة في معالجة ظاهرة السرقة في بداية ظهورها عنده 8 8 12) حماية الطفل من وسائل الإعلام التي تفيض في وصف حوادث السرقة 9 13 ( الحديث عن الأمانة وذكر القصص المتعلقة بها أمام الطفل 9 خاتمة 10