مقتطفات من بحث نيل دبلوم الدراسات العليا :مفاهيم أولية: التصوف، الحب، الحب الإلهي
2 مشترك
كاتب الموضوع
رسالة
البدراللطيف المشرف العام على المنتدى الثقافي
عدد المساهمات : 94 تاريخ التسجيل : 27/10/2009
موضوع: مقتطفات من بحث نيل دبلوم الدراسات العليا :مفاهيم أولية: التصوف، الحب، الحب الإلهي الأحد نوفمبر 15, 2009 3:57 pm
أ-التصــوف : لا يكتسب موضوع الحب الإلهي مكانه ووضوحه دون بسط الحديث ولو بإيجاز عن مفهوم يلتصق به هو التصوف، إذ المتصوفة هم الذين ربطوا عبادة الله على أساس محبته ، فالعلاقة بين الحب والتصوف متينة، "فما التصوف سوى شوق الروح إلى الله، إنه الحب الإلهي، إنه الحب المطلق المجرد عن النفعية" ، والتصوف معروف في كل الأديان والحضارات من قديم الزمان، لكن إذا بحثنا عن تعريف له في مصادره المختلفة فلن نظفر بتعريف واحد، بل تعريفات عدة وقد أحصى ابن السبكي في طبقاته ألف تعريف للتصوف، مردها جميعا إلى صدق التوجه إلى الله تعالى ، كما ساق أبو العلاء عفيفي ما يزيد عن ستين تعريفا مرتبة ترتيبا زمنيا بدءا بمعروف الكزخي (-200هـ) وانتهاء بأبي الحسن الخرقاني (-425هـ)، منها قول سمنون المحب (-297هـ)" ألا تملك شيئا ولا يملكك شيء ؛" أي أن لا يستعبدك شيء مادي أو معنوي، إلا الله وحده، ومنها " الصوفية قوم صفت قلوبهم من كدورات البشرية، وآفات النفوس، وتحرروا من شهواتهم حتى صاروا في الصف الأول والدرجة العليا مع الحق، فإذا تركوا كل ما سوى الحق صاروا لا مالكين ولا مملوكين" ، ومنها:" التصوف " كراهية الدنيا وحب المولى" ،على أن هناك" تصوفا بالمعنى العلمي يرجع إلى تعرف تلك الدراسات التي من شأنها أن تحقق لمن يطبقها تلك المعاني الرقيقة: "من ذكر ومراقبة وحسن خلق، غير أن ذلك كله كما اكتشف الغزالي وكشفه لا يتم بالتعلم بل بالذوق والحال وتبدل الصفات" . وقد ذكر ابن خلدون أن السلوك الصوفي كان شائعا في الصحابة والتابعين، غير أنه في القرن الثاني، لما انتشر الإقبال على الدنيا والميل إليها "اختص المقبلون على العبادة بالصوفية" . و الصوفية من حيث الموضوع نوعان: نوع العقل والمعرفة، ونوع القلب والرياضة، فالنوع الأول: هم الذين يذهبون بالعقل إلى غايته وحدوده ولا يتهيبون الشكوك والاعتراضات... تغلب شهرتهم بالفكر على شهرتهم بالرياضة، أماالقلبيون: فيلتمسون المعرفة المباشرة برياضة النفس على قمع الشهوات فهي الحائل بينهم والنور، فإذا ملكوا زمامها وأفلتوا من قيودها تكشف لهم النور فوصلوا إلى مرتبة العارفين..." على أن الحقيقة التي ينبغي التنبيه إليها، هي أن أيا من التعريفات المقدمة عن التصوف لا يفي ولا يكفي، لكنها مجتمعة تعطي الصورة المتكاملة عن حقيقة التصوف، وتبين غاياته وأهدافه، وقد استعرض القشيري هذه الآراء ثم نقضها رأيا رأيا جميعا، ثم انتهى الى أن التسمية غلبت على هذه الطائفة "فيقال رجل صوفي وللجماعة صوفية، ومن يتوصل إلى ذلك يقال له متصوف وللجماعة متصوفة" . ب :الـحــب : قبل أن ننطلق إلى ظاهرة الحب الصوفي لابد من الوقوف عند دلالات كلمة "حب" لقد حدد ابن منظور معاني الكلمة كالآتي: الحب: نقيض البغض، والحب: الوداد،والمحبة ، وكذلك يُحِب (بالكسر)، وحَبه، يحبه، فهو محبوب. وحكى سيبويه: حببته، وأحببته بمعنى: وأحبه الله فهو محبوب، واستحبه كأحبه، والحبة اسم للحب، والحِب(بالكسر) الحبيب والمحبوب . تحبب إليه: تودد وأظهر الحُب، واستحَبه،آثره، والحب: الوداد، وعاء الماء كالزير والجرة. والمحبة: الميل إلى الشيء السار، وحبة القلب مهجته وسُوَيْدَاؤه ، ويبدو أن التحديد اللغوي لا يتجاوز إشارات بسيطة حول المفهوم، لذلك سنمضي إلى بعض التعريفات المأثورة ،علنا نصل إلى تحديد مرضٍ. سأل الأصمعي أعرابية عن العشق، فقالت: "جل والله عن أن يرى، وخفي عن أبصار الورى، فهو في الصدور كامن ككمون النار في الحجر، إن قدحته أورى، وإن تركته توارى". فالأعرابية اكتفت بالإشارة إلى غموضه واستعانت بالتشبيه، فالأمر بالنسبة للباحث إذن سيكون أشد؛ لأن الحب مرتبط بالتجربة الخاصة لكل فرد. وقد نبه ابن حزم إلى أن موضوع الماهية شغل المفكرين، فقالوا وأطالوا مقرا بخطورة الظاهرة الإنسانية، ومما قال: " الحب أعزك الله أوله هزل وآخره جد، دقت معانيه لجلالته عن أن توصف، فلا تدرك إلا بالمعاناة" . أما ابن عربي ؛فاعتبر المحبة مما لايحد، فهي يعرفها من قامت به، ومن كانت صفته. ولقد تعددت الكلمات التي تدل على دَرَجَةٍ أو حالةٍ من حالات الحب باعتباره عاطفة تنمو في سلم تصاعدي، وليس من الغريب كثرة الكلمات عن عاطفة خاصة ذاتية، لكن من الصعب التسليم بدرجات هذا السلم التصاعدي؛ لأن الظاهرة مُتَمَِردَة وخصوصية ترفض أي إطار مفرغ فيه الحتمية والضرورة المُسْبَقَة ، فالتعاليبي مثلا يتصور مراتب الحب كالآتي" الهوى، وهو أول مراتب الحب، ثم العلاقة وهي الحب اللازم للقلب، ثم الكلف وهو شدة الحب، ثم العشق، وهو اسم لما فضل عن المقدار الذي اسمه الحب، ثم الشغف وهو إحراق القلب مع لذة يجدها... ثم التدليه وهو ذهاب العقل من الهوى، ثم الهيام وهو أن يذهب على وجهه لغلبة الهوى عليه" . وقد اتخذ التعبير عن الحب في النتاج العربي أشكالا عدة، يمكن اختزالها في: - الغزل التقليدي: ولا موضوع للحب فيه؛فأصحابه يتبنون طريقة الجاهليين في استهلال قصائدهم، وهو داخل في باب الصنعة اللفظية. - الغزل الحضري: ويمثله في الأدب العربي، عمر ابن أبي ربيعة - الغزل الحضري الماجن: وموضوعه الحب الجسدي - الغزل العذري: وموضوعه الحب العاطفي الصادق، يتميز بسمو العاطفة وتعلقها بالروح، وابتعادها عن الشهوة الوضعية... والذي يعنينا في هذا البحث هو هذا الأخير؛ لارتباطه وتشابهه مع الحب الصوفي، فهو حسب ما يذكر جلال العظم نقلا عن يوسف خلف:" ظاهرة روحية تتميز بتعلق العاشق بمحبوبة واحدة، يرى فيها مثله الأعلى الذي يحقق متعة الروح، ورضى النفس، واستقرار العاطفة، وهذا الحب مأساة تدور أحداثها بين عاشقين تسيطر على حبهما العفة والإخلاص والتوحيد، والحرمان والطهارة، وهو انتصار الروح على الجسد... أمام المثالية الخلقية التي يؤمن بها العاشق العذري، وأمنيته القصوى هي الحصول على الرباط المقدس بينه وبين حبيبته" ويعتبر هذا النوع من الحب، الأكثر تشابها مع الحب الصوفي. ج. الحب الالهي: لقد مهدنا لهذا النوع من الحب بالمحبة الطبيعية؛ لأنها كما يقول الدليمي: منها يرتقي أهل المقامات إلى ما هو أعلى حتى ينتهوا إلى المحبة الإلهية، يقول:" وقد وجدنا النفوس الحاملة لها إذا لم تتهيأ لقبول المحبة الطبيعية لا تحمل المحبة الإلهية" فالمحبة الطبيعية هي علامة السوية والاستعداد للترقي إلى الحب الروحي والإلهي. و محبة الله تستمد مشروعيتها من القرآن والحديث، فمن الأول قوله تعالى ﴿فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه.﴾ ، ومن الحديث قوله صلى الله عليه وسلم : "من أحب لقاء الله أحب الله تعالى لقاءه" والأحاديث والآيات التي ورد فيها لفظ الحب كثيرة لا يتسع المقام لجردها ، " غير أن المحبة بمعناها كما هو في المعقول من صفات الخلق ؛ كالميل إلى الشيء والإستئناس به و" كحالة يجدها المحب مع محبوبه من المخلوقين فالقديم سبحانه يتعالى عن ذلك، وأما محبة العبد لله تعالى فحالة يجدها من قلبه تلطف عن العبارة " وفي وصف القشيري حالة تحمل المحب إلى تعظيم الله وإيثارها رضاه وقلة الصبر عنه، والاهتياج إليه، وعدم القرار من دونه، ووجود الإستئناس بدوام ذكره" . والمحبة كما حددها أحد أقطاب التصوف هي " محو المحب لصفاته، وإثبات المحبوب بذاته" أي أنها وسيلة الفناء عن النفس لأجل الإقبال كلية على الله. وقد سئل الجنيد بمكة عن المحبة فقال " عبد ذاهب عن نفسه ،متصل بذكر ربه، قائم بأداء حقوقه، ناظر إليه بقلب أحرق أنوار هويته وصفا شرابه من كأس وده، وانكشف له الجبار من أستار غيبته، فإن تكلم فبالله وإن نطق فعن الله وإن تحرك فبأمر الله، وإن سكت فمع الله فهو بالله ولله ومع الله" . ويصور ابن القيم صفات المحبين بقوله" إنهم قوم امتلأت قلوبهم من معرفة الله،وعمرت بمحبته وخشيته وإجلاله ومراقبته، فسرت المحبة في أجزائهم، فقد أنساهم حبه ذكر غيره، وأوحشهم أنسهم به عمن سواه، قد فنوا بحبه عن حب سواه، وبذكره عن ذكر من سواه، فحينئذ يكون الرب سبحانه سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها" . وحول طبيعة المحبة اختلف المتصوفة، أهي حال أم مقام فالطوسي مثلا يرى أنها حال، تأتي للعبد بلا تعمل أو تصنع أو بذل مجهود، عكس السهروردي الذي يعتبرها حالا ومقاما: أو حب عام وخاص: فالأول للعبد فيه كسب، والثاني هو حب مطالعة الروح، هو الذي فيه السكرات، وهو اصطناع وموهبة من الله. أما القشيري فاعتبرها حالا كما أسلفنا، وليس المقام لأكثر من هذه الإشارة لأن موضوعنا غير هذا. وبجانب الحب مفهوم مجاور "هو العشق" وحده مجاوزة الحد في المحبة، ويرى الدقاق أن الحق لا يوصف" بأنه يجاوز الحد فلا يوصف بالعشق، ولو جمع محاب الخلق كلهم لشخص واحد لم يبلغ ذلك استحقاق قدر الحق سبحانه" و يضيف بأن لا سبيل إلى وصف الحق سبحانه به لا من العبد و لا من الحق تعالى" . و عموما، فالمحبة أساس و جوهر التجربة الصوفية؛ فالناسك ما لم يذق طعمها؛ لا يتحقق له مكان في عالم الأنس، و لا يستقر له أنس في حضرة القدس و المحبة هي " الفيصل الحاصل بين أهل الشريعة و أهل الحقيقة، و الحد الفاصل بين الصوفية و غيرهم من الطوائف الباطنية، إذ أن غاية أهل الشريعة من العبادة هو الفوز بالجنة و الخوف من النار، بخلاف أهل الحقيقة الذين يعبدون الله للقرب من حضرته و الأنس بمشاهدته، لذلك اهتم الصوفية بالمحبة إلى الحد الذي تطابق فيه كلمة تصوف بل إنها " تحولت عند بعضهم من مقام صوفي و قاعدة في الطريق إلى الله إلى عقيدة تلتقي عندها كل الكائنات " .
نور مشرفة عامة على عالم التربية والطفولة
عدد المساهمات : 194 تاريخ التسجيل : 07/11/2009
موضوع: وجهة نظر الأحد نوفمبر 15, 2009 4:56 pm
لقدعرفت قضية التصوف جدال واسع النظير بين مؤيد لها وبين معارض بين من اعتبرها طريقة ارتبطت بعادات مخالفة للشريعة الاسلامية وبين من جعلها السبيل الناجع للرقي الايماني ، الا ان السؤال الذي يطرح نفسه هو ماهية التصوف الحقيقي في ظل هذا الجدال الحاصل بين مؤيد ومعارض وفي ظل كثرة الفرق المتصوفة ، بين تجانية وبودشيشتية وغيرها من الفرق التصوفية !! وشكرا على هذا الموضوع المثير للجدل الذي يفتح امامنا تساؤلات عدة ننتظر لها ايجابات مقنعة .
البدراللطيف المشرف العام على المنتدى الثقافي
عدد المساهمات : 94 تاريخ التسجيل : 27/10/2009
موضوع: مساهمة في رد على إشكال الإثنين نوفمبر 16, 2009 1:52 pm
صحيح،يحتار المرء في إختيار الطريقة الصوفية التي على النهج،إن كان لهذا التوجه الديني سند،وحسب علمي المتواضع السلوك الصوفي كان من عهد الرسول صلى الله عليه و سلم،كما ذكر ابن خلدون،وتطورت هذه البوارد مع مر الزمن 0فأدخل الى التصوف أشياء من باب التفلسف و الابتداع.مع احتفاظ بعض الطرق الاخرى ببعض مايمت الى السنة بصلة،لكن الصوفية الأولون عمق الارتباط بالله وذكروه في كل أحوالهم أما اليوم.فقصارى ما نقوم به تحليل أدبهم و دراسة خطاباتهم.أما الفتوى فتؤخذ من ذوي الاختصاص.
مقتطفات من بحث نيل دبلوم الدراسات العليا :مفاهيم أولية: التصوف، الحب، الحب الإلهي