مذكرات جنوبية : المذكرة الخامسة - رؤية همس الجنوبي لمعاناة جنوبيات - وداعا حورية الخلد والرجاء
كاتب الموضوع
رسالة
همس الجنوبي نجم تمزموطي
عدد المساهمات : 371 تاريخ التسجيل : 18/10/2009 العمر : 45 الموقع : www.badda.c.la
موضوع: مذكرات جنوبية : المذكرة الخامسة - رؤية همس الجنوبي لمعاناة جنوبيات - وداعا حورية الخلد والرجاء السبت فبراير 04, 2012 12:31 pm
في أرض من تمزموطَ نجمة ٌ أفلت صُبْحَ يومٍ غَادِرٍ، ليلُهُ قاتمٌ وأحلامُه كوابيسُ تُنذِرُ بأوانِ حادثٍ فاجعٍ، تساقط شعاعُ النجمةِ على اِسْفَََلْتِ بساطٍ أسودَ ، فكف صباحُ عروسِِ ثيغومارَعن الإصباحِ ، الكلُّ راقب موقع النجمة التي كانت تضيء سما تمزموطَ بهاءً وجمالا ، تفقدوا الموقع تكْرار مراتٍ ومراتٍ لكنهم فقدوا أَلَقَ النجمة واستحال أملُ اللقاء والبقاء ، لكن الرجاء ظل يغمُر قلوب كل من تَعَشَّق نورَها حتى النفسِِ الأخيرِ ...
لم تكن تلك الوقعةُ إلا موقعةَ حوريتنا المحتومة ولم تكن تلك النجمةُ التي كانت تضيؤُنا إلا حوريةَ الحُب والصفاء ، خولةُ الشهيدةُ بنتُ الخلد والرجاء ؛ عروسٌ جنوبيةٌ من صبايا الجنوب زففناها ضُحىً لأرض الطهر أميرةًً من أميرات الحواري...
رحلت عنا الخولة وتركت مقعدها فارغا بين الصفوف ؛ تخطئ الرفيقات يلتفتن ميمنة وشمالا ، يُحْكِمُ المعلم سلطان عقله حتى لايكرر لفتاته وفلتاته وهو يعطي النجمة فرصةً للإضاءة أو الإيضاح ، قد انطفأ الفنار الذي كان يضيء أرجاء الصفوف والحجرات ، انكفأ النور الذي ظل يحارب اثني عشر سنة مجاهل الظلام في النفوس والبيوت، لكنها هناك أصبحت شعاعا من أشعة رحاب الجنان تسطَعُ مع أنوار شهداء الرحمان ، هي بمشيئة الله مع من أحبت في تفاصيل دنياها التي فنت حينما شاء لها المنان ؛ إنها بمعية الصغار وبجوارهم الآن زهرةًَ يافعةً تغمهرهم بعبقها وحبها الذي صار قصةَ خلودٍ مع طيورِ الدنيا وطيور جنتها الفيحاء، غابت عنا صبية الخلد والرجاء بعدما كانت بين أبناء الرشد منارة للمعرفة والعلم الفياض ، منذ أن كانت في رحاب الواحة أول الخولات...
هي حوريتنا التي بكتها الأنسام ودعت لها الأقسام ولانت لمسقِطها الأحجار، هي من دمعت لها الأعين وكرُبَتِ الأنفسُ ، لها شُقت الأرضُ غربا فشرقا في رِحلةِ شتاءٍِ وشتاء ، حوريةٌ رثتها الزقاق والمقاعد والكتب والأقلام، في موكب جنائزي ملائكي دافئٍ بالأحزان ، هي الآن هناك تقبع جسدا على الأرض التي خرجت منها إلينا وعادت من جوارها إلى جنة جدَّينا آدم وحواء قبل غواية الشيطان للإنسان ، رجعت منها إليها لتروي بدمها الطاهر أرضا تعطّشت لريحٍ من تُرْبَةٍِ روَّاها الصبر ظمأ منذ زمن الغدر والفقد والإنهيار ...
منذ اليومِ وغدا سيُقال في كل زُقاقٍٍ وشارع وكل شبر أرض من زاكورة إلى ثيغومار؛ هنا مرّت ! هنا جلست ! هنا ضحكت ! هناك بكت ! هنا ألقت تحية الصباح ! وهناك شيَّعت سلام المساء ! هنا كان آخر اللقاء وهنا وهناك ، وهنا أسلمت للقدر الذي كان فصار! هي الآن حيث أٌسْقَََِط الرأسُِِ مسقِطًً َ الرأسِ ومعادِه ، أسكنَها القدرُ جسدا على الأرض وروحا في السماء ، دخلت عزيزةً طاهرةً عتبة بيت قصرها المَشِيد احتفاء بها حوريّةً من حواري الصبايا الجنوبيّات...
صارت خولةُ اليوم ذكرى حياةٍ يرويها الخيال ، مُجْهِِدا نفسه في تكوين صور آخر اللقاء ومِسْكِِ ختامِِ المقالِ ، يغالبنا الشوق إليها والصبر على فقدها ، وتأبى تفاصيل قصة الفراق وآلام عتاب النفس والضمير على النّسيان ، كانت خولة مَلَكًا زار مسْرح الحياة خِيفة فانصرف فجأة إلى هَدْأَةِ البقاء ، كانت طيفا ضيفا ونسيما من أنسام ليلةِ وِتْرٍ قدْرية تخشَّعت فيها قلوب للتّواب ، تفتّرت فيها أفئدة آن لها الخشوع بذكر الرحمان في رَحابات الوجود والسكون، مثلُها تمنّى خَلَدُ كل أب وترجَّى قلبُ كل أمٍّ أن يكون لهما منها مثيل ، كلها أدبٌ وتواضعٌ وخِفَّةُُ ظل عَزَّتِ الأرحامُ خلال أيام حياتنا المعدودات أن تمُدَّنا بخيط يُداني خيْطََها الرفيع ، مثلُها جدًّا وطموحا ما تفتَّق كُمٌّ من أكمام الزهرات ولا مَدَّت غُصنا شجرة من شُجَيْرات الزَّيْزَفُونَات ، ماشاء الله فيها ولها رضينا بقضاء الله ربِّ النفوس والأكوان ، سبحانه جلَّت حكمته ذو الجلال والإكرام...
دالَت خولة كما الشمس التي أدفأت نهارَنا الجنوبيَّ القارَّ ، أو كشمعةٍ مُذابةٍ تركت فينا حََرَّ حُزْنٍ لا يُطاق ، محزونون على فراقك أيتها الرائعةُ الراتعةُ في مرعى الخُلْد والدَّوام ، حَزَنَةُ لأنك دوما كنت فينا وبيننا ، في لمسة أدبٍ من آدابك أو بصمةِ عمل من مفاخر الأعمال ، آلامنا المصاب فيك ومعه أخ الألم على سوء الأحوال والأوضاع في الطرقات والبنيات وبالعقليات ...
مكروبون مكروبون لكنَّنَا لانقول إلا ما ربَّانا عليه من عليه أفضل الصلوات ؛ إنا لله وإنا إليه راجعون ، فصبرا جميلا أحبابَها ووداعٌ منها كانت تنقُله إليكم بأنفاسِها المتلاحقات ونَبَضات قلبِها المرتفعات ، وداعٌ تترُكه خلفَها لكم كلما ابتعد نورُها شِبْرا شِبْرًا عن إضاءة فناءات فضائنا المهمَّشِ الحزِين ، يُهِمُّها الكَرَبُ حُزْنا علينا لاعلى نفسِها إيثارا، ويعُمُّنَا الحُزْنُ على فَجْأة الفِراقِ وهي على أعتابِ جنَّة ربِّ الأكوان...
وداعُ حُورِية الخُلد والرجاء إليكم وهي تصارع المصير المحتوم في لحظاتها الأخيرات ؛ وداعٌ ساكنٌ، ووصيتها الأخيرةُ للأحبة والصديقات والأصدقاء ؛ أرقامُ شاشة تَعُد النبض وآخر الإحساس ، كانت ملامحها خيرَ بيان وشفتاها قناةََََ إرسال ؛ اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون ، احفظوا الله في أعمالكم في سياقتكم وطرقاتكم في مستوصفاتكم وكلِّ بنياتِكم ، واعلموا أنه لا راد لقضاء الله وقدره ...
الحورية خولة أقرأت الجميعَ السلامَ ، همَسَتْْه من بعيد لزملائها وزميلاتها وللشيماء الشامخة فيهن ؛ قدر الله وما شاء فعل ، صفْح وسلامٌ مني كما صَفْحُ أبَوَيَّ المؤمنين بقضاء الله وقدره ، وكيف لاتَصْفحُ خولةُ وهي من ذاك الوِرد وَرَدَتْ ومن نبع الحنان والرفق والجَلَدِ والسخاء والإيثار نبَعت ، صفحت روحُ خولةَ وطارت فوق السماء ، إسألوا عن ذلك يقين أُخَيتها جهينة يُجبكم ويُفْْصِحْ لكم عن حقيقة الرؤى وصدق المُنى ، هي الآن لم تعد نجمةً في سمانا تضيء كما كان منها يكون ، صارت شهابا سِمَاكًا بعيد المنار والمزار،هي هناك حيث أرادها فالق الحَب والإصباح ، تسْعَدُ للعمل الفاضل منا شعْشَعَةَ كل صُبح وإغفاءَة كل إمساء ، خولةُ في دار البقاء أيقنت بوعد الله عباده الصالحين جنات الرضوان ، وبها لهفةٌ لننعم معها بالنعيم الذي وجدته خيرا وأبقى ، فاقرؤوا لها دائما ولكل من سبقنا إلى دارهم تراتيل الفاتحة والمعوذات ، ولا تَحْسَبُوا نجمَتَنا ضائعةًَ أو ميتةً فالشهداء لايموتون ، هي عند ربنا تُرْزَقُ وتَنْعَمُ بوافر الحب والبركات...
خولة لن تموت من قلوبنا أبدا ، ستظل روحُها نسيما سرمديا نشُمُّ عبَقَه مع رغِيبَة كل فجر مُؤْذِنٍِ بولادة يومٍِ جديدٍ ، ستبقى خالدةً في الجوارح وقلوبُنا عليها اطمئنانٌ ، فقد رحلت عنا وهي بين يدي ملائكةِ الرحمان ، كانت تبسُط لها جناحاتها رضًا منها أن كانت شهيدة ً وهي على درب العلم والعرفان ، فاذكروا الشهيدةَ في أنفسكم بما كان منها من الطُّهر والنقاء وحُسنِ الأخلاق، احفظوا لبنت الخُلد والرجاء خيرَ القول وصالحَ الأعمال واسعَدوا أحبابها بحسن مآبها وعُلُوِّالمقام ؛ حوريةٌ تنعم بحسن ما قدَّمَتْ بيننا لأُخْراها ، ولْيَقُل الجميعُ لله ما أعطى وله ما أخذَ وإنا لله وإنا إليه راجعون ، وعظَّم الله أجرَنا فيها وأجرَ أبويْها وأجرَ كل الأحباب...
همس الجنوبي ليلة الأربعاء 18 يناير 2012
الكردان
مذكرات جنوبية : المذكرة الخامسة - رؤية همس الجنوبي لمعاناة جنوبيات - وداعا حورية الخلد والرجاء